عندما تتداخل المصالح الدولية مع الأمن الإنساني، يكون على الأمم المتحدة البحث عن سبل للتعامل مع الوضع بحذر وحكمة. هذا ما حدث في مالي، حيث أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) عن انسحاب سريع ومفاجئ من تيساليت، مدينة شمال مالي، في إطار انسحاب مقرر بحلول نهاية العام.
القرار الذي اتُخذ بعد مرور سنوات عديدة على وجود البعثة الأممية في مالي، يأتي في سياق أمني متوتر جدًا. فقد تعرض طاقم البعثة للخطر في الوقت الذي تشهد فيه مالي هجمات جهادية متواصلة وتصاعد التوترات مع الانفصاليين الطوارق. هذه الأحداث تضع علامات استفهام كبيرة حول مدى استقرار البلاد وقدرتها على التصدي للتحديات الأمنية.
ما يجعل هذا الانسحاب أكثر إثارة هو سرعته وطابعه المفاجئ. إذ أعلنت البعثة الأممية على وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيش المالي سيطر بالكامل على معسكرها في تيساليت، وهو ما دفع بالبعثة إلى إكمال انسحابها المتسارع من المنطقة. وهذا التسارع يعكس التصاعد السريع للأحداث والتحديات التي تواجهها البعثة في المنطقة.
لم تكن هذه الأحداث دون تكلفة بالنسبة للبعثة. إذ اضطر طاقمها في الأيام الأخيرة قبل الانسحاب إلى الاختباء في الملاجئ عدة مرات بسبب إطلاق النار. وكان هناك حادث آخر أثناء هبوط طائرة شحن من طراز سي-130 C-130 تونسية مستأجرة من قبل مينوسما في تيساليت. وبالرغم من عدم وقوع إصابات خطيرة، إلا أن هذا الحادث يبرز خطورة الوضع الأمني في المنطقة.
يأتي هذا الانسحاب في سياق تصاعد التوترات في منطقة كيدال التي تشمل تيساليت، حيث تتجدد الاشتباكات بين عناصر مسلحة تسعى للسيطرة على المنطقة. ويشمل الوضع أيضًا تصاعد الهجمات التي تشنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة على المواقع العسكرية.
بالرغم من أن هذا الانسحاب هو السادس للبعثة الأممية في مالي، إلا أنه يمثل الأول في منطقة كيدال. وقد تم تنفيذه بعد تدهور العلاقات بين البعثة والحكومة المالية بعد أشهر من تولي العسكر الحكم في مالي بعد انقلاب عام 2020.
من المقرر أن يستمر الانسحاب حتى نهاية العام، وسيشمل أكثر من 11,600 عسكري و1,500 شرطي من عدة جنسيات مختلفة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاستعادة المعدات والأصول القيمة، فإن البعثة أكدت أنها اضطرت لتدمير أو تعطيل جزء كبير منها، وهو أمر يثير تساؤلات حول مدى جاهزية الأمم المتحدة للتعامل مع هذا الانسحاب وتداعياته.
في النهاية، يتبقى السؤال الأهم حول مستقبل مالي وقدرتها على استعادة الاستقرار والأمان. تظل المهمة الأساسية للبعثة الأممية تحقيق الاستقرار والتحضير لتطبيق الاتفاقات السلامية. وإذا كانت الأحداث الأخيرة تشير إلى شيء، فإن الطريق نحو السلام والاستقرار في مالي سيظل صعبًا ومعقدًا، وستستمر الأمم المتحدة في مواجهة تحديات جديدة في المستقبل.