بقلم: [مروان عسالي
تشهد بلدية تيط مليل، الواقعة على مشارف الدار البيضاء، فوضى غير مسبوقة في تدبير الملك العمومي، خصوصاً من طرف أرباب المقاهي والمحال التجارية الذين حولوا الأرصفة والفضاءات العامة إلى ممتلكات خاصة، دون حسيب ولا رقيب.
المارة يُجبرون على السير في قارعة الطريق، والراجلون – خصوصاً النساء، الأطفال وذوو الاحتياجات – يجدون أنفسهم محرومين من أبسط حقوقهم في فضاء عمومي آمن.
في عموده الشهير “شوف تشوف”، تناول الصحفي رشيد نيني هذه الظاهرة تحت عنوان “التحصيل الإجباري”، منتقداً لجوء بعض الجماعات المحلية إلى فرض رسوم على احتلال الملك العمومي، في غياب أي سند قانوني واضح، بل وتحويل هذه “الفوضى” إلى مورد مالي غير مشروع.
وبالعودة إلى واقع تيط مليل، نجد أن العديد من المقاهي تحتل الأرصفة بكراسي وطاولات، بل إن بعضها يمتد حتى إلى قارعة الطريق، دون احترام لقوانين السير أو سلامة المواطنين. المفارقة الصادمة أن هذه الممارسات تتم أحياناً بترخيص شفهي أو ضمني من مسؤولي الجماعة، وأحياناً بتواطؤ مكشوف عبر تسليم رخص استغلال “مؤقتة” لا تستند إلى القانون التنظيمي رقم 113.14، ولا إلى مقتضيات المادة 94 التي تحصر صلاحيات الجماعات في تنظيم الفضاء العمومي وليس بيعه!
وفي الوقت الذي تتحدث فيه السلطات عن تنمية تيط مليل، وتشجيع الاستثمار وتحسين جودة الحياة، نجد أن الفضاء العمومي يُفرّط فيه أمام أعين الجميع، مقابل رسوم شبه جبائية، تفرضها الجماعة على أصحاب المحلات، ليس لتنظيم الفضاء، بل كتعويض ضمني عن التغاضي عن مخالفة القانون.
إننا أمام نوع جديد من الجباية القسرية التي لا تنتمي لا للقانون الجبائي ولا لقانون التعمير، وإنما إلى منطق “التحصيل الإجباري” الذي انتقده رشيد نيني، حين يتحول الموظف الجماعي أو المنتخب المحلي إلى جابي ضرائب غير قانونية.
فهل أصبحت تيط مليل ملكية خاصة؟ ومن يحمي الراجلين؟
وأين هي السلطات الترابية، من باشا المدينة، إلى أعوان السلطة، إلى المجلس الجماعي؟
خلاصة القول:
إذا كانت مدينة تيط مليل تطمح إلى أن تكون قطباً عمرانياً حديثاً، فلا بد أولاً من استرجاع الملك العمومي من براثن الاستغلال العشوائي.
ولا بد من مساءلة من يوقّعون هذه التراخيص خارج القانون، ومن يفرضون على المواطن دفع “ثمن الصمت”، بينما يُحرم من حقه في مدينة نظيفة، منظمة، تحفظ كرامته وسلامته.
الملك العمومي ليس سلعة… بل هو حق مشترك وجب حمايته.