مجتمع

كيف أصبح السحر تجارة رائجة؟

فار بريس /خالد ابراح

السحر والشعوذة من المعتقدات الشعبية القديمة التي استمر بقاؤها حتى الآن، والتي تحمل في ثناياها سلوكيات انحرافيه لا عقلية، إلا أنها أحيطت بنوع من التقديس والسرية، باعتبارها تمثل عالماً غريباً، مليئا بالخوف والرهبة في اكتشاف الغيب، والشعور بالقوة والاستبداد حيث استعملته فئة قائدها الأمل والرغبة الجامحة في الحصول على أمر مفقود بعد أن عجزت الحلول الأخرى عن تحقيقها.

و يجمع علماء الاجتماع على أن تنامي التعاطي لظاهرة السحر والشعوذة راجع بالأساس إلى الهشاشة بين فئات المجتمع، بالإضافة إلى مشاكل: العنوسة والعقم والطلاق، و الأمراض التي لا دواء لها… ذلك لأن مجتمعاتنا في الأصل تعتقد بالخرافات والأساطير الشعبية الوهمية عن الجان وقدرتهم على حل المشاكل المستعصية، وقد ورد في أحد التقارير أن العالم العربي ينفق من 5 إلى 7 مليار دولار سنوياً لفك السحر وجلب المحبة وايقاع الضرر بين الناس، ولعمل الحظوة ولدفع الأذى، بالإضافة إلى قدرتهم على مساعدة رجال الأعمال والمقاولين لتحقيق نجاح أكبر في مشاريعهم، ناهيك عن خبرتهم الكبيرة في مساعدة العديد من المسؤولين لتقلد مناصب القرار بفعل الشعوذة والسحر

ويبقى السبب الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة هو ضعف الإيمان، وعدم التقرب من الله تعالى، فلا المستوى الاجتماعي ولا المستوى الثقافي ولا نوعية الجنس أصبحت ذرائع نلصق بها هذه الظاهرة التي استفحلت في البلدان والمجتمعات، والكارثة أن ديننا الإسلامي الحنيف يحرّم إتيان السحرة والعرافين، ويعتبره من المهلكات العظيمة بل هو شعبة من شعب الكفر، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: “من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم” لكننا كباقي الملل الأخرى نتعمد اللجوء إليه غير آبهين لما شرّع الله وحرّم، و غير مدركين لحقيقة التكليف الإلاهي الذي لا يتوقف على غسل الأعضاء بالماء أو الوقوف في محراب الصلاة لأداء ركعتين… هذا سهل! فالتكليف الأعظم هو تكليف العقل -الإذعان-لا تكليف الجوارح.

ولعل أكثر العوامل المساعدة على تفشي هذه الظاهرة هو كثرة التواصل بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ساعد بشكل كبير على تقاسم المعلومة في شأن السحر، بسبب انتشار سماسرة المشعوذين الذين يبذلون قصارى جهدهم لاستقطاب زبائن يعانون من كثرة العقد والمشاكل النفسية.

البث الحي
القائمة المفتوحة
شعار قسم مدونات
كيف أصبح السحر تجارة رائجة؟
زعير نجود
زعير نجود
~أحبني يا الله و اجعل ملائكتك في السماء من حبك تحبني…فلا الأرض موطني و لا أهل الأرض غايتي~
2/7/2019
blogs سحر
السحر والشعوذة من المعتقدات الشعبية القديمة التي استمر بقاؤها حتى الآن، والتي تحمل في ثناياها سلوكيات انحرافيه لا عقلية، إلا أنها أحيطت بنوع من التقديس والسرية، باعتبارها تمثل عالماً غريباً، مليئا بالخوف والرهبة في اكتشاف الغيب، والشعور بالقوة والاستبداد حيث استعملته فئة قائدها الأمل والرغبة الجامحة في الحصول على أمر مفقود بعد أن عجزت الحلول الأخرى عن تحقيقها.

و يجمع علماء الاجتماع على أن تنامي التعاطي لظاهرة السحر والشعوذة راجع بالأساس إلى الهشاشة بين فئات المجتمع، بالإضافة إلى مشاكل: العنوسة والعقم والطلاق، و الأمراض التي لا دواء لها… ذلك لأن مجتمعاتنا في الأصل تعتقد بالخرافات والأساطير الشعبية الوهمية عن الجان وقدرتهم على حل المشاكل المستعصية، وقد ورد في أحد التقارير أن العالم العربي ينفق من 5 إلى 7 مليار دولار سنوياً لفك السحر وجلب المحبة وايقاع الضرر بين الناس، ولعمل الحظوة ولدفع الأذى، بالإضافة إلى قدرتهم على مساعدة رجال الأعمال والمقاولين لتحقيق نجاح أكبر في مشاريعهم، ناهيك عن خبرتهم الكبيرة في مساعدة العديد من المسؤولين لتقلد مناصب القرار بفعل الشعوذة والسحر.


السبب الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة هو ضعف الإيمان، وعدم التقرب من الله تعالى، فلا المستوى الاجتماعي ولا المستوى الثقافي ولا نوعية الجنس أصبحت ذرائع نلصق بها هذه الظاهرة التي استفحلت في البلدان والمجتمعات

ويفسر الأستاذ ماجد عبد فيصل الباحث الأكاديمي التربوي أسباب استفحال هذه الآفة قائلا: إن هذه القضية خاضعة لما يسمى بـ “الباراسايكولوجي” (علم خوارق الطبيعة) ومن هذه الأمور مثلاً امتلاك بعض الأشخاص القدرة على قراءة جزئية للمستقبل معتمدين على أمور عديدة من أهمها (استرجاعات الذاكرة التراكمية) للواقع، ولا يقتصر السحر على تفشيه كظاهرة في مجتمعات العالم الثالث فحسب، بل يتعداه إلى دول في قمة الهرم العلمي والثقافي والفني في العالم، فالحقيقة أن الغرب بشكل عام لا يزال يحتوي على العديد من المظاهر الغريبة للسحر والشعوذة التي ربما لا نربطها إلا ببعض القبائل في إفريقيا، أقوى مثال على ذلك ما قامت بتنفيذه مجموعة من معارضي الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” من طقوس سحر جماعي في الولايات المتحدة، في منتصف ليلة الجمعة 24 فبراير (شباط)2017، وذلك في محاولة لإزالة الرئيس من منصبه، والتي اشتملت على ترديد تعويذة “المقاومة السحرية” وحرق صورة فوتوغرافية لترمب عبر شمعة.

ومثلما لم يعد السحر مقتصرا على دول عالم معين مهما كانت ظروفه (سواء كانت سيئة أو حسنة…) لم يعد أيضا يقتصر على النساء كجنس واللاتي ألصقت بهن صفات الجهل والكيد، بل أصبح الرجال منافسين لهن في الميدان، فنرى السيارات الضخمة والفخمة والفارهة مصطفة طوابير، ينتظر أصحابها دورهم لقراءة الطالع في عدة أمكنة وعلى مرأى الجهات المسؤولة.

وهذا ما يؤكد أيضا أن مرتادي هذه الأماكن واللاجئين إلى هذه الظاهرة ليسوا من الطبقات الأمية أو متوسطة التعليم على أقل تقدير، بل إن أغلبهم من الطبقات التي تعد في قائمة المثقفين والمؤثرين في مجتمعاتهم، في محاولة منهم لإشباع الجانب الروحي كبديل للدين وضعف اليقين في نفوس هؤلاء، ولفراغ روحي رهيب يجعلهم يلجؤون إلى هؤلاء المشعوذين لمجرد الاطمئنان على المستقبل الذي هو بيد الله.

وفي علم النفس يسمى هذا “بالحياد النفسي”، حيث أنهم يستخدمون دفاعات نفسية غير سوية، وأهمها ما يدعى “الامتناع عن الفعل”، فبدلا من التغلب على مصاعب الحياة أو السعي لتحقيق الآمال الكبيرة بالعمل والاجتهاد، يسعى هؤلاء للوصول إلى الأشياء بسرعة لتبرير عجزهم من خلال الأبراج وغيرها من الأمور الإنتاجية المهدرة للمال والوقت، وهذا ما قاد إلى عدم اكتفاء البعض بممارسة السحر بل إلى الدعوة إلى تعلمه واعتناقه، حتى أن البعض قام بتأليف كتب عن طرق السحر وكيفية استعماله.

ويبقى السبب الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة هو ضعف الإيمان، وعدم التقرب من الله تعالى، فلا المستوى الاجتماعي ولا المستوى الثقافي ولا نوعية الجنس أصبحت ذرائع نلصق بها هذه الظاهرة التي استفحلت في البلدان والمجتمعات، والكارثة أن ديننا الإسلامي الحنيف يحرّم إتيان السحرة والعرافين، ويعتبره من المهلكات العظيمة بل هو شعبة من شعب الكفر، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: “من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم” لكننا كباقي الملل الأخرى نتعمد اللجوء إليه غير آبهين لما شرّع الله وحرّم، و غير مدركين لحقيقة التكليف الإلاهي الذي لا يتوقف على غسل الأعضاء بالماء أو الوقوف في محراب الصلاة لأداء ركعتين… هذا سهل! فالتكليف الأعظم هو تكليف العقل -الإذعان-لا تكليف الجوارح.

ولعل أكثر العوامل المساعدة على تفشي هذه الظاهرة هو كثرة التواصل بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ساعد بشكل كبير على تقاسم المعلومة في شأن السحر، بسبب انتشار سماسرة المشعوذين الذين يبذلون قصارى جهدهم لاستقطاب زبائن يعانون من كثرة العقد والمشاكل النفسية.


نحن بحاجة للأخذ بناصية العلم والمعرفة والتكنولوجيا وامتلاك رؤية بمنأى عن الخوف من الكائنات الخرافية التي لا أساس لوجودها البتة

أضف إلى ذلك، فإن وسائلنا الإعلامية التي من المفروض أن تحارب هذه الظاهرة باعتبار دورها الإعلامي والتثقيفي، الكثير منها يساهم في تشجيع هذه الآفة الاجتماعية، وأقوى دليل على ذلك هو المساحة التي يخصصها التلفزيون والمحطات الفضائية لقارئي الفنجان وغيرهم من العرافين، إلى جانب شعبية الأبراج في الصحف المحلية والشعوذة والسحر، وبطرق جذابة مرفوقة بأرقام الهواتف مما يؤثر على عقلية العديد من الشباب والنساء والفتيات، ويعطي مصداقية لبائعات الأحلام وبائعي الأوهام كما يعمل على تفشي أساليب النصب والاحتيال التي يمارسها هؤلاء الدجالين على ضحاياهم، حيث يحرصون أشد الحرص على الإيحاء للناس باتهام أقاربهم وأحبابهم، فيقتاتون رزقهم من زرع الفتن بين الأُسر، والتحريض على العنف، وافساد العقائد، وقطع الأرحام، وأكل أموال الناس بالباطل، و يتجاوز الابتزاز المادي أحيانا إلى القتل أو الاغتصاب.

لذا لابد أن نقر بأن شخصية الساحر شخصية غير سوية وغير متزنة تصل الى حد الاضطراب الفعلي، وهي تجسد شخصا هستيريا لا يحترم التقاليد والأعراف ويتخذ من النصب والاحتيال وسيلة للتكيف مع البيئة الخارجية وقد يبحث لنفسه عن دور في المجتمع ولا يجد الا هذه الطريق “السيكوباتية الاعتمادية” و”الإيحائية”، التي تحتاج الى علاج معرفي وتبصير يتحقق من نبوءاته أجزاء صغيرة، وهي تكبر بفعل الإشاعات التي يتداولها بسطاء الناس، فيصبح الأمر أكبر من حجمه الحقيقي، ومن العوامل المساعدة كذلك عدم وجود تصدي من قبل السلطة لمحاربة هؤلاء المشعوذين، الذين يمارسون مهنتهم بشكل ظاهر وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بل منهم من يملك عيادات خاصة في أحياء راقية يستقبل فيها الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية مقابل مبالغ مالية، تحدد حسب المنصب الذي يشغله الزبون أو الزبونة. فهل يمكن الحديث عن وجود تواطؤ ما بين هؤلاء والسلطة؟

ففي ظل فشل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن الدولة لا تفكر ولن تفكر على الأقل على المدى القريب في تناول هذه المسألة بالجدية والصرامة المطلوبين لأنه على المستوى “السوسيو اقتصادي” فان هذه الممارسات قد أصبحت تشكل تجارة مربحة وتشغل عددا كبيرا من الأسر، ولا أدل على ذلك من ارتفاع عدد الدكاكين والمحلات التجارية الخاصة بمستلزمات ومستحضرات السحر والشعوذة من بخور وأعضاء حيوانات محنطة …والتي تباع بعضها بأثمان باهظة وتضر بشكل كبير صحة المواطنين المتعاطين لهذه الممارسات وتقود للموت أو الجنون، أو الانصياع لأوامر شخص بصورة آلية…الشيء الذي جعل المستفيدين من هذه التجارة يحولون دون أفولها.

ومن الناحية السياسية تحاول كل ايديولوجية باستراتيجيتها أن تكون لها أوراقها الخرافية التي يلعب بها الكبار للحفاظ على الرعية من الانفلات، وكل قطيع لهم راع يحافظ على التماسك الداخلي عبر مخدرات الأوهام، ومورفين النصر للحفاظ على الكيان المأخوذ نحو الوهم والضياع والخراب، وهذا أمر ينذر بالخطر ويستوجب تكثيف الجهود للرقي بالمجتمع من قبل المثقفين، من خلال نشر أخبار الذم الواردة فيهم، بالإضافة إلى ترسيخ الإيمان وتقوية الرابط بين العبد وربه، وهذه المسؤولية منوطة بالخطباء ورجال الدين بالدرجة الأولى.

والواجب على الناس أنفسهم تحكيم العقل في هذه الأمور وعدم السير وراء السراب، فنحن بحاجة إلى مزيد من الوقت، وإلى كثير من الصراع مع المناخ الثقافي السائد من ناحية، والصراع مع الذات من ناحية أخرى، للخروج من دائرة الفكر الأسطوري، والأخذ بناصية العلم والمعرفة والتكنولوجيا وامتلاك رؤية بمنأى عن الخوف من الكائنات الخرافية التي لا أساس لوجودها البتة، والتعامل مع مكوّنات هذا العالم بقدر أكبر من العلم والثقة والواقعية لننشئ أجيالا وشعوبا لا تستمرئ الذل والهوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى