مجتمع

عرض تقديمي للبرنامج الانتخابي

فار بريس

ان كل حديث عن البرنامج الانتخابي إلا و يستند على فكرة معينة للإصلاح، وعلى تصور سياسي للمرحلة المقبلة، وينطوي على إجابات واقعية على كل التحديات التي تحبل بها اللحظة التي يعيشها مجتمعنا.

وقبل التطرق لتصور حزب الأصالة والعاصرة للإصلاح السياسي والاجتماعي الذي يؤطر برنامجه الانتخابي  والذي يقترحه على المغاربة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، نرى أنه من الضروري العودة للتاريخ السياسي الوطني لإبراز ولو بإيجاز مسار التطور الذي عرفه الإصلاح في بلادنا منذ الاستقلال إلى اليوم. لأننا نعتبر حزبنا من صلب هذا التاريخ الوطني بأمجاده وصعوباته، إلى جانب كل الأحزاب الوطنية الديمقراطية، ونريد لبرنامجنا الانتخابي أن يكون بديلا يحمل حلولا واقعية فعالة لها جذور تضرب قي أعماق خصوصيتنا التاريخية وتعمق مساره الإصلاحي.

لقد كانت إرادة الإصلاح حاضرة بقوة منذ الاستقلال وبداية بناء الدولة الوطنية ، ويمكن أن نرصد أربعة مراحل أساسية تجسد هده الإرادة وفق مميزات كل مرحلة على حدى، واختلاف التحديات والرهانات التي طبعتها.

هذه المراحل الأربعة هي كالتالي:

  • مرحلة حكومة عبد الله إبراهيم 1958-1960
  • مرحلة برنامج التقويم الهيكلي 1983-1993.
  • مرحلة تأهيل الاقتصاد الوطني 1993-1998.
  • مرحلة حكومة عبد الرحمان اليوسفي 1998-2002.

إن التواريخ التي تحدد كل مرحلة على حدى، نسبية لأننا في الغالب ما نجد برامج إصلاحية في هذا القطاع أو ذاك تستمر من مرحلة إلى أخرى، كما أن لكل مرحلة  مميزاتها السياسية والاقتصادية وفق المنافسة السياسية للفاعلين الوطنيين، ووفق الإكراهات الخارجية التي يمليها انفتاح بلادنا على العصر الحديث.

وإذا أردنا الوقوف عند كل مرحلة سياسية على حدى لإبراز معالمها الإصلاحية ومميزات أهدافها التنموية فإننا نجدها على الشكل التالي:

تعد مرحلة حكومة عبد الله إبراهيم اللحظة الأولى للاصلاح التي عرفها المغرب ما بين 1958-1960 ويعتبر البرنامج الاقتصادي الذي اعتمدته محاولة إصلاحية تعتمد على الدولة من جهة، وعلى رؤية فوقية تملي الإجراءات الإصلاحية على المجتمع من الأعلى، من جهة ثانية.

إنه نموذج إصلاحي يستلهم من المرحلة التاريخية لفترة الخمسينيات والستينيات حيث كانت كل الدول الخارجة من تجربة الاستعمار تسعى إلى بناء نماذج تنموية خاصة تعتمد على الإمكانيات والموارد الداخلية الذاتية لمجتمعاتها.

لقد كان نموذجا إصلاحيا يقترح التأميم وتقوية القطاع العمومي، والإصلاح الزراعي، وتخطيطا اقتصاديا إلزاميا بعيد المدى يهدف إلى تطوير القطاعات الثقيلة بالاستناد على مركزية دور الدولة، ومراقبة الاستشارات الأجنبية وتوسيع السوق الداخلية …. إنه في النهاية برنامج يتجه إلى القطع مع النمط الرأسمالي الغربي من أجل بناء اقتصاد يعتمد فقط على الإمكانيات الذاتية للمغرب أو على إمكانيات محيطه المغاربي والعربي (تعاون جنوب جنوب).

بعد استقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960 لأسباب سياسية تتعلق بالنزاع السياسي بين الفاعلين لتلك المرحلة، دخل الاقتصاد المغربي في مرحلة ليست بالقصيرة مطبوعة بما يمكن أن نسميه ” التذبير الحر” أي التذبير الاقتصادي الذي لم يكن يخضع لأي تخطيط نموذجي، إذ بقي الاقتصاد المغربي يتراوح بين توجهات ليبرالية محضة وتوجهات كينزية تأخذ بعين الاعتبار أهمية تدخل الدولة في القطاعات الاجتماعية.

إلا أنه ومع تعاظم ضغط إكراهات المديونية الخارجية وضرورة الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، كان لزاما على الاقتصاد المغربي أن يجد حلولا واقعية لتفادي تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وجاء برنامج التقويم الهيكلي كنموذج اقتصادي جديد لتلك المرحلة.

لقد شكل برنامج التقويم الهيكلي 1983-1993 لحظة ثانية في مسار تطور السياسة الإصلاحية للمغرب، إذ اندرج ضمن عملية تشييد نموذج ليبرالي للإصلاح يهدف أساسا لتحقيق التوازنات، خاصة التوازن المالي، معتمدا على عقلنة إجراءات التذبير المكرو-اقتصادي. لذلك نجده نموذجا اهتم أساسا بقطاعات المالية والسياسية النقدية والضريبية والتجارة، والحد من الاستثمارات العمومية والخوصصة…. وبالطبع كان الثمن الاجتماعي مرتفعا، إذ أفرزت سياسة التقويم الهيكلي عجزا اجتماعيا ترجم في قطاعات التربية والتعليم والصحة والتشغيل والسكن….

لذلك وأمام الأزمة الاجتماعية التي بدأت تحتد بداية التسعينيات من القرن الماضي، جاء القرار العمومي بنموذج جديد للاقتصاد سمي بتأهيل الاقتصاد المغربي.

لقد شكلت سنة 1993 بداية اللحظة الثالثة في مسار تطور السياسة الإصلاحية بالمغرب، واعتمدت هذه اللحظة في بناء نموذجها الإصلاحي على تشخيص لأسباب الأزمة التي وصل إليها برنامج التقويم الهيكلي، والمتمثلة في الرأي السائد آنذاك في أوساط القرار العمومي والمؤسسات المالية الدولية الذي يرى أن فشل الإصلاح الليبرالي مرده أساسا لغياب آليات الوساطة التي تستطيع ترجمة مقتضياته إلى واقع مغربي حي، لهذا جاءت فكرة تأهيل الاقتصاد المغربي كي يستطيع الوصول إلى الأهداف الإصلاحية المرجوة.

على أساس هذا التشخيص جاء برنامج تأهيل الاقتصاد المغربي 1993-2002 ليتشكل من سيرورات متعددة ضمن رؤية عامة وشاملة يشترك فيها كل الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون (أرباب المقاولات النقابات العمالية) إلى جانب الشركاء الدوليين للمغرب.

السيرورة الأولى هي المتعلقة بالمدة الزمنية التي حددت لعملية تأهيل الاقتصاد المغربي، لقد اعتقد كل الفاعلون أن المغرب قد أضاع وقتا طويلا فصار لزاما على أي إصلاح أن يخضع لآجال محددة لتنفيذه وتقييم مدى نجاحه.

السيرورة الثانية هي التي تمثلت في جعل عملية تأهيل الاقتصاد المغربي يحمل بعدا اجتماعيا. إن أخذنا بعين الاعتبار لهذه  الابعاد الاجتماعية في عملية تأهيل الاقتصاد المغربي تعني التزام الفاعلين على مستويين اثنين: مستوى الماكرو – اقتصادي، خاصة بالنسبة للمقاولات – ومستوى السياسات العمومية سواء فيما يخص ماهو وطني أو فيما يخص الجماعات الترابية.

السيرورة الثالثة التي تشكل منها تأهيل الاقتصاد المغربي كمرحلة ثالثة في مسار الإصلاح المغربي، هي التي تمثلت في اعتبار عملية التأهيل شأن كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين سواء الدولة أو أرباب المقاولات أو النقابات العمالية، فهو تأهيل يقوم على بناء تراض اجتماعي وسياسي لكي يترجم في كل مستويات الاقتصاد المغربي.

إلا أنه وعلى أهمية كل هذه السيرورات الإصلاحية التي تضمنها نموذج تأهيل الاقتصاد المغربي 1993-1998، فإن المبدأ الذي كان يقوم عليه هذا النموذج شكل نقطة ضعفه الكبيرة، فاعتماده على مبدأ تنافسية السوق، الذي كان يعني أن السوق الحرة هي التي سوف تفرض إكراهاتها على المقاولات كي تعيد  هيكلة بناها الانتاجية والبشرية، كان مبدأ يعني  تلقائية تحقيق الإصلاحات المرجوة، مما جعل عملية فهم وتطبيق هذه الإصلاحات تختلف وتتضارب بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وبالتالي لم تجد طريقها للتحقق حتى تنتج الثمار المنتظرة منها.

وأمام فشل نموذج تأهيل الاقتصاد المغربي الذي أراد أن يكون امتدادا نوعيا لبرنامج التقويم الهيكلي الذي يسبقه، عاش المغرب فترة اجتماعية واقتصادية هددته بأزمة عبر عنها المغفور له الحسن الثاني ب “السكتة القبلية”.

في البرنامج الاصلاحي لحكومة عبد الرحمان اليوسفي الذي يعد المرحلة الرابعة من مسار تطور السياسة الاصلاحية في المغرب والذي سمي أنداك ببرنامج “حكومة التوافق” نجد الاعتماد على رد الاعتبار لدور الدولة الذي كان ثانويا في “برنامج التقويم الهيكلي” لعقد الثمانينات من القرن الماضي.

عودة دور الدولة المركزي في عملية الاصلاح ابتدأت منذ المصادقة على دستور 1996 الذي نص على اهمية التخطيط والبرمجة الاقتصادية.

ولقد تشكل النموذج الاصلاحي الذي اعتمدته حكومة عبد الرحمان اليوسفي على ضرورتين اساسيتين هما ضرورة اعطاء  دور مركزي للدولة من جهة وضرورة التعاطي الايجابي مع المعطيات الجديدة التي جاءت بها العولمة من جهة اخرى. الامر الذي جعل هذا النموذج يحاول التركيب بين سياسات مختلفة مثل محاولة التوفيق بين الحاجيات الفردية والحاجيات الجماعية. والتشاور حول قواعد اللعبة الاقتصادية والاجتماعية، وكذا تشجيع التعاون بين الفاعلين، وربط الفعالية الاقتصادية بالعدالة الاجتماعية، والتنسيق بين الحاجيات الوطنية والاكراهات الدولية.

ان قيام النموذج التنموي لحكومة عبد الرحمان اليوسفي على سياسة ذات اتجاهات مختلفة ومتضاربة جعلته يعيش مفارقة بين  الحاجيات الملحة والآنية للمجتمع المغربي من جهة، وبين منطق الاصلاح الذي يستدعي فترة زمنية طويلة لكي ينتج الاهداف المرجوة منه من جهة ثانية. ولقد أخذت هذه المفارقة بعدها الصعب عندما طرحت المطالب الاجتماعية من لدن المجتمع المغربي بوجهين مختلفين لكنهما متلازمين وجه اخلاقي رمزي يدعو الى القطع السياسي مع كل أنماط التدبير العمومي التي سادت من قبل ووجه اقتصادي اجتماعي مرتبط بالاستجابة للحاجيات  الاولية لحياة المغاربة والقضاء على اللامساوات الاجتماعي. ولعل هذا ما دفع عبد الرحمان اليوسفي وهو وزير اول للحكومة أن يقول “الاصلاحات الاقتصادية مكلفة والإصلاحات السياسية صعبة التحقيق”.

فالقطع مع السياسات السابقة لم يكن يتماشى مع الطبيعة التوافقية للنموذج الاصلاحي المعتمد والإصلاحات المالية والاقتصادية وجدت نفسها امام حدود واكراهات الظرفية الاقتصادية الدولية.

استمرت سياسة الإصلاح وفق النموذج الذي جاءت به حكومة عبد الرحمان اليوسفي مع حكومة السيد جطو  إلى أن جاء دستور 2011 الذي أعطى المزيد من الديمقرطة للحياة السياسية المغربية، خاصة وأنه جاء بمؤسسة رئاسة الحكومة وجعل هده الاخيرة تحت يد الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية الأمر الذي أصبحت معه السياسة الاقتصادية والاجتماعية من مسؤولية البرنامج الحكومي الذي يصادق عليه البرلمان المغربي.

طيلة حكومتي بنكيران – العثماني لم تستند السياسة الإصلاحية في المغرب على نموذج تنموي بل دخلنا في سياسة تدبيرية قطاعية خالية من أي تصور شمولي يعطيها وحدة تضمن فعاليتها الواقعية.

والكل يعلم أن حكومات ما بعد دستور 2011 استسلمت لتنفيذ بعض الإصلاحات التي فرضتها مقتضيات العولمة، دون أن تبنيها وفق خصوصيات وإكراهات الاقتصاد المغربي، لذلك نجد أن نتائج سياسة هاتين الحكومتين كانت كارتية على كل المستويات، خاصة وأن أزمة كوفيد 19 أظهرت عمق الاختلالات التي ظل الاقتصاد المغربي يحملها، والتي بقيت أمامها حكومتي بنكيران- العثماني عاجزة عن إصلاحها.

اليوم نحن أمام مرحلة جديدة في مسار الإصلاح بالمغرب، المرحلة الخامسة لتعميق مكتسبات التاريخ، وتجديد الأهداف لضمان مستقبل أفضل.

فمع النموذج التنموي الجديد الذي جاءت به اللجنة الملكية يكون المغرب قد وصل إلى منعطف وطني هام قائم على وحدة الوعي والإرادة، لدى كل المغاربة وعلى رأسهم صاحب الجلالة حفظه الله، بضرورة تحقيق الوثبة الكبرى نحو التقدم والازدهار.

جاء النموذج التنموي الجديد في سياق استعداد الأحزاب السياسية المغربية لاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي سوف تكون فرصة ديمقراطية للتنافس في تقديم البرامج والتصورات والحلول لمعظلات الاقتصاد المغربي.

لهذا لابد من الإجابة على السؤال الذي يمكن أن يطرحه الرأي العام الديمقراطي المغربي: ما جدوى التنافس بالبرامج الاقتصادية في الانتخابات القادمة إذا كنا سنطبق النموذج التنموي الجديد الذي أرادته الدولة كإصلاح تنموي للمغرب؟

قبل الإجابة على هذا السؤال المشروع، لابد من استخلاص العبر من تاريخ الإصلاح ببلادنا تمكنا من فهم واقعي وتاريخي لدور وأهمية هذا النموذج التنموي الجديد.

يمكن أن نستخلص ثلاثة عبر أساسية من قراءتنا لأهم المراحل الإصلاحية التي عرفتها بلادنا، والتي حاولنا اختصارها فيما سبق.

أولا: الدولة كانت دائما فاعلا أساسيا ومركزيا في كل النماذج الإصلاحية التي عرفها المغرب، كانت الدولة حاضرة بهذا الشكل أو ذاك، لكن دورها دائما كان حاسما.

ثانيا: كل النماذج التنموية الإصلاحية التي عرفها المغرب كانت غير قائمة على تصور شمولي متكامل ومتناسق ومنسجم، فإما أنها نماذج تعطي الأولوية للقطاع العمومي، في حالة نموذج حكومة عبد الله إبراهيم، أو أنها تعطي الأولوية للقطاع الخصوصي، في حالة نموذج البرنامج التقويم الهيكلي مثلا.

ثالثا: كل النماذج الإصلاحية التي عرفها المغرب كانت مفروضة من فوق ودون إشراك لقوى وفعاليات المجتمع المدني، وإذا كان النموذج التنموي الذي جاء به برنامج تأهيل الاقتصاد لمرحلة 1993-1998 قد نص على ضرورة إشراك كل الفاعلين الاقتصاديبن والاجتماعين (نقابة أرباب المقاولات والنقابات العمالية)، فإنه لم يكن يقوم على فهم واحد موحد من لدن هؤلاء الفاعلين، كما لم يوسع مشاركة العديد من الفعاليات المدنية، ولم يكن له تصور شامل ومنسجم.

إذا استحضرنا هذه العبر التاريخية سوف نرى النموذج التنموي الجديد على أنه يستفيد منها إما من أجل تطوير وتعزيز إيجابياتها أو تجاوز سلبياتها.

قد تكون الدولة هي التي قادت النقاش العمومي وبناء التصور حول النموذج التنموي الجديد فهذا ليس أمرا سلبيا كما قد يعتقد البعض، فحضور الدولة كفاعل مركزي قوي في الاقتصاد والسياسة بالمغرب هو واقع ينبع من خصوصيات تشكل المغرب كأمة في التاريخ، وكانفتاح على العصر والاستفادة من معطياته الحديثة.

ولقد ظلت الدولة المغربية على الدوام القوة المركزية الاقتراحية والمجددة للحلول والبدائل. وكل الحركات المطلبية، اجتماعية كانت أم سياسية، كانت تطالبها بالتدخل وتحث على المزيد من تنشيط دورها في الدمقرطة والتنمية.

فالخصوصية التاريخية بالمغرب لا تتوفر على طبقة اجتماعية قوية وموحدة، ولا تسمح لأي جهة دولية أو مؤسساتية خارجية أن تملي عليها النموذج التنموي، لهذا كانت الدولة الموحدة وذات مشروعية قوية ومنبثقة  هي التي تقود الإصلاح بالاستفادة والتفاعل الخلاق مع العصر الحديث.

وأهمية النموذج التنموي الجديد تتأتى كذلك من كونه نموذجا قائما على تصور شمولي ومتكامل، عكس التجارب السابقة التي كانت تعتمد نماذج إصلاحية تعلي من جوانب وتهمل أخرى.

كما أنه نموذج جاء نتيجة نقاش عمومي موسع مع كل الفاعلين في الحقل السياسي ومكونات المجتمع المدني، ومختلف آراء المواطنات والمواطنين، إنه نموذج تشاركي صاعد من الواقع المغربي، عكس التجارب السابقة التي كان تفرض نماذج إصلاحية فوقية.

بهذا الفهم الديمقراطي التاريخي الذي نتبناه في حزب الأصالة والمعاصرة في تعاطينا مع النموذج التنموي الجديد الذي ساهمنا في إنجازه، نستطيع أن نقول أنه نموذج تنموي يستحق أن ننخرط في إنجازه وترجمته على أرض الواقع.

لأنه في النهاية، هو أولا نموذج كل المغاربة، ثم تانيا هو نموذج استراتيجي لتحديد التوجه العام للتنمية بالمغرب، وليس برنامجا سياسيا مرحليا.

لهذا فالبرامج الحزبية السياسية والاقتصادية تحمل على عاتقها مسؤولية الاجتهاد في إيجاد السبل الكفيلة بترجمة كل الاستراتيجيات التي يحملها هذا النموذج إلى واقع حي في المؤسسات والتنظيمات وعلى مستوى الإنتاج وتوزيع الخيرات ……

وكل الأمم العظمى اليوم، انطلقت في سياساتها التنموية على أساس توافق مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على توجه استراتيجي واحد يترجمه مختلف الفاعلون على أرض الواقع، وساهمت في نجاحه أجيال متعاقبة (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، حتى لا نذكر سوى مثالين) 

إنه ليس نموذجا لفئة اجتماعية مغربية، دون أخرى لأنه وطني وليس نموذجا جزئيا لهذا القطاع دون ذاك، لأنه شمولي.

وليس نموذجا دولتيا مفروضا من فوق، لأنه تشاركي مع كل مكونات المجتمع السياسي والمدني.

وبرنامجنا الانتخابي في حزب الأصالة والمعاصرة ينخرط بقوة في التوجه الاستراتيجي للنموذج التنموي الجديد ويقدم للمغاربة اجتهاده في تفعيل الأهداف الكبرى التي يحملها، ومساهمته في إنجاح الإصلاح الذي يطمح إليه كل المغاربة.

فما هو تصورنا للبرنامج الانتخابي الذي نقدمه، وما هي خلفياته الفكرية والسياسية؟

بدون أن ندخل في تقديم تفاصيل برنامجنا الانتخابي، حسب المجالات والقطاعات وكل التدابير التي نقترحها في السياسة والاقتصاد والاجتماع، نريد الوقوف عند الأسس الفكرية والمنطلقات السياسية التي أطرت برنامجنا في حزب الأصالة والمعاصرة، وشكلت تصورنا العام لكل التحديات التي تعترض الإصلاح ببلادنا.

إننا في حزب الأصالة والمعاصرة نتبنى تصورا إصلاحيا تنمويا قائما على مبادئ وأهداف، وله منطلقات، يهدف إلى أولويات أساسية يعتبرها مدخلا أساسا لتسريع التنمية ببلادنا.

المبدأ الأساسي والمركزي لبرنامجنا الانتخابي هو تشييد اقتصاد لخدمة المجتمع، فعندما تساءل صاحب الجلالة حفظه الله في إحدى خطاباته السامية وقال: أين الثروة؟ فهمنا نحن في حزب الأصالة والمعاصرة أن حكمة جلالته تشير إلى ضرورة تقويم انحراف عرفه اقتصادنا الوطني، وأصبح لا يخدم المجتمع بقدر ما يخدم نفسه في انغلاق عن الواقع الاجتماعي، لهذا فإن مبدأ الاقتصاد في خدمة المجتمع يعني في برنامجنا أن يستفيد كل المغاربة في كل مناطق المملكة من ثمار التنمية والتقدم، إننا لا نختزل أهمية برنامجنا في أرقام وبيانات ونسب مؤوية ولغة محاسباتية جافة، بل يعتبر برنامجنا خدمة الاقتصاد للمواطنات والمواطنين على أرض معيشهم اليومي.

الهدف الأساسي لبرنامجنا الانتخابي هو تحقيق التقدم الاجتماعي والثقافي لكل المغاربة، أي السعي إلى إنجاز أكبر عدل ممكن في عملية توزيع المجهود التنموي الذي ساهم في تحقيقه جميع المغاربة كل من موقعه وبإمكانياته.

هكذا فإن برنامجنا الانتخابي لا يعتبر النمو الاقتصادي والمالي غاية في حد ذاتها، بل ماهو الا وسيلة أساسية لتقوية الاندماج الاجتماعي لدى المغاربة، ومساعدتهم على تحقيق حياتهم بازدهار واستقلالية.

بناءا على مبدأ “اقتصاد في خدمة المجتمع”، وهدف تحقيق التقدم الاجتماعي، يحمل حزب الأصالة والمعاصرة مهمة رد الاعتبار للعمل السياسي داخل المجتمع المغربي، يجعل السياسة أكثر من عملية تدبيرية إدارية، بل هي نبل المساهمة في قيادة الأمة نحو المزيد من التقدم والازدهار، إن السياسة التي يطمح إليها حزب الأصالة والمعاصرة وهو يقدم برنامجه الانتخابي هي التي تقطع مع التخبط التدبيري الذي انتهجته الحكومة، وتبني نهج بديل هو سياسة تعتمد على مقومات الوطني وتطوير إمكانياته المادية والثقافية لبناء الشروط المالية لتنمية مستدامة.

ولبرنامجنا الانتخابي منطلقات أساسية تتمثل في مستويين اثنين: 

  • مستوى تقوية الدولة وإصلاح الديمقراطية، ومستوى تقوية اقتصاد وطني اجتماعي.
  • المستوى الأول نريده إصلااح لمجال الإدارة والتربية والتعليم والصحة والقضاء على كل مظاهر الفساد المالي والسياسي والإداري.
  • في المستوى الثاني نريد تنمية كل ما من شأنه أن يشكل الشروط الصلبة لتحقيق التقدم الاجتماعي للمغاربة.

وسيجد كل مطلع على تفاصيل برنامجنا الانتخابي الإجراءات السياسية والإدارية والاقتصادية التي تترجم منطلقاتنا هذه وتعطيها الواقعية التي تجعلها قادرة على أن تلعب الدور الهام في تحقيق إصلاح تنموي جديد.

وبما أن الإصلاح التنموي الذي يسعى إليه حزب الأصالة والمعاصرة هو إصلاح شامل لكل مناحي الاقتصاد والاجتماع، فإن له مداخل وأولويات تشكل أرضية الانطلاقة نحو النموذج التنموي المأمول.

  • التشغيل ومحاربة التفاوتات الاجتماعية.
  • رد الاعتبار للطبقة الوسطى بالمغرب.
  • محاربة الفساد المالي والسياسي والإداري.
  • تحديث المجال القروي وتنمية الفلاحة.

إن كل مطلع على برنامجنا الانتخابي سيجده برنامجا إصلاحيا يتوخى تحقيق تنمية شاملة ودائمة بسياسة حضارية تبني الشروط الكفيلة بجعل التنمية العلمية والاقتصادية والاجتماعية في تصاعد غير منقطع، سياسة حضارية تعطي للمواطنة مكانة عالية، وتنشط قيمنا الإسلامية والإنسانية، وتجعل المواطن المغربي يتشبع بقيم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان ويعتز بانتمائه لتاريخه وتراثه وتقاليده، سياسة حضارية تمجد الإرادة البناءة وتطلق الأحلام النبيلة وتنشر الهدوء والسلم وسط مجمعنا المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى