
تُشكل الجهوية المتقدمة خيارًا استراتيجيًا للمملكة المغربية في ترسيخ الحكم الرشيد وتعزيز التنمية المحلية، لا سيما في الأقاليم الجنوبية التي تحظى باهتمام ملكي خاص. وفي هذا السياق، أكد أحمد الصلاي، رئيس جمعية الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي بجهة الداخلة وادي الذهب، أن المسؤولية في تدبير الشأن العام لا تقع فقط على عاتق الفاسدين، بل تشمل كل من أُتيحت لهم الفرصة لصناعة القرار السياسي، سواء كانوا من النخب المخلصة للوطن أو من أصحاب المصالح الضيقة الذين استغلوا المشهد السياسي لتحقيق مكاسب شخصية. وشدد على أن الرأي العام، رغم دوره الأساسي في تقييم الأداء السياسي، يظل محدود التأثير بسبب غياب ما يمكن تسميته بـ”سلطة الرأي العام”، حيث لا تزال العديد من السلوكيات الانتخابية تُدار وفق منطق الولاءات بدلًا من الكفاءة والاستحقاق.
وفي معرض حديثه عن توجيهات جلالة الملك محمد السادس، نصره الله أشار الصلاي إلى أن الخطابات الملكية المتعاقبة أكدت على أهمية الممارسة الحزبية النزيهة ودور المواطن في اختيار ممثليه بدقة، مشيرًا إلى أن ضعف الأحزاب السياسية ينعكس مباشرة على أداء المؤسسات المنتخبة والحكومة، ما يضعف فعالية القرارات التنموية. كما نوّه إلى أن جلالته حذّر بوضوح من أن سوء الاختيار في الانتخابات لا يبرر لاحقًا الشكوى من ضعف التدبير، مما يرسّخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كإحدى ركائز النموذج الديمقراطي المغربي.
وأكد الصلاي أن المغرب يمتلك إطارًا قانونيًا متقدمًا يُشجع الشباب على الانخراط في العمل السياسي والجمعوي، بهدف تعزيز مشاركتهم في بناء الوطن والدفاع عن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية. واستشهد بخطاب ملكي سابق شدد فيه جلالة الملك على أن الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ليس مسؤولية فردية، بل التزام جماعي يشمل مختلف الفاعلين، من مؤسسات الدولة إلى الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. كما أبرز أن مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب كحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء، تحظى بدعم دولي متزايد باعتبارها مقترحًا واقعيًا وذي مصداقية، يعكس الإرادة الحقيقية للمملكة في إنهاء هذا النزاع المفتعل وفق رؤية سيادية وتنموية.
وفي سياق الإصلاحات الجهوية، شدد الصلاي على أن التنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية تتطلب قطيعة مع الممارسات الريعية التي راكمت اختلالات عميقة في تدبير الموارد، حيث أقرّ جلالة الملك في خطابات سابقة بأن نموذج الحكامة في الصحراء عرف بعض الانحرافات التي كرست الامتيازات المجانية وأنتجت شعورًا بالإقصاء لدى بعض الفئات. ورغم أن هناك فاعلين يشتغلون بإخلاص لخدمة الوطن، إلا أن هناك أيضًا من استغل القضية الوطنية لتحقيق مصالح ذاتية، متخذين من الابتزاز وسيلة دائمة للضغط على الدولة. وفي هذا الصدد، أكد الصلاي على ضرورة القطع مع هذه الممارسات، مشددًا على أن المغرب حريص على تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان استفادة سكان الأقاليم الجنوبية من ثرواتهم في إطار مبدأ تكافؤ الفرص.
وفي ختام حديثه، دعا الصلاي إلى حوار وطني مسؤول حول قضايا الأقاليم الجنوبية، بهدف صياغة حلول عملية تستجيب لتطلعات الساكنة، مؤكدًا أن الجهوية المتقدمة ليست مجرد تحويل صلاحيات من المركز إلى الجهات، بل هي مشروع مجتمعي شامل يقوم على الشفافية والمساءلة وتعزيز دور المواطنين في تدبير شؤونهم المحلية. وأضاف أن نجاح هذا النموذج رهين بمدى الالتزام بتوجيهات جلالة الملك، الذي يضع قضايا الصحراء المغربية والتنمية الجهوية في صدارة الأولويات الوطنية، تأكيدًا على أن الوحدة الترابية للمملكة ليست موضوعًا للمساومة، بل التزام وطني يتطلب تجند الجميع في سبيل ترسيخ الاستقرار وتحقيق التنمية العادلة والمستدامة.