كتاب الاراء

الحلقة الرابعة من سلسلة رمضانيات تستعرض اخلاق شيخ الطريقة القادرية البودشيشية الدكتور جمال الدين

فار بريس

استمرارا لفعاليات البرنامج الرقمي “رمضانيات ” الذي تنظمه مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، بثت رابع حلقاته، الثلاثاء 4 ماي الجاري، عبر المنصات الرقمية الرسمية لمؤسسة الملتقى. تم افتتاح هذه الأمسية الرمضانية بكلمة للدكتور إبراهيم الواح، متخصص في الشريعة والدراسات الإسلامية، عبر في بدايتها عن لطيف الاتفاق بتزامن هذه الحلقة مع افتتاح العشر الأواخر من رمضان، مبرزا أفضليتها وشرفها لورود ليلة القدر فيها، وسلط الضوء على مواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم على إحياء لياليها بشتى العبادات والقربات، واعتكافه وانقطاعه إلى الطاعات، مشيرا الى أن العشر الأواخر فرصة نادرة في السنة يتخلى فيها العبد عن الانغماس في الشؤون الدنيوية، ويتوجه نحو الانقطاع إلى خالقه بالكلية للدخول في دورة روحية يطهر فيها الإنسان نفسه بإرغامها على التحقق بما خلقت من أجله وهو كمال العبودية بالتذلل والانكسار في حضرة الله تعالى وكمال الفقر والفاقة إليه. أما الأستاذ إبراهبم بلمقدم ، باحث مؤطر بمركز أجيال للمواكبة والوقاية والتمنيع بالناظور التابع للرابطة المحمدية للعلماء، فقد تمحورت مداخلته حول شخصية الحسن البصري، استهلها بالتعريف بحياته، وشرف تربيته في بيت النبوة؛ حيث كانت أمه خادمة لأم المؤمنين أم سلمة، وكان له شرف الرضاعة منها.

وأورد مقولة للحسن البصري عن ابن رجب: “يا ابن آدم لا تغتر بقول من يقول المرء مع من أحب، إنه من أحب قوما تبع أثرهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع أثرهم وتأخذ بهديهم وتقتدي بسنتهم وتصبح وتمسي وأنت على منهجهم حريصا على أن تكون منهم فتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم، وإذا كنت مقصرا في العمل فملاك الأمر أن تكون على استقامة”، هذه المقولة تناولها بالشرح والتحليل، موضحا أن المحبة تورث الإيمان في القلب مستدلا بأحاديث نبوية وآيات قرآنية تثبت ارتباط محبة الله والمحبة في الله بالإيمان، كما ربط المحبة بالطاعة مؤكدا أن ادعاء المحبة دون تقديم العمل هو ادعاء باطل مستشهدا في ذلك بقول الحسن البصري: “لا يصح القول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة”، وحذر من ادعاء محبة الصالحين مع مخالفة منهجهم الذي يتقيد بالكتاب والسنة، لأن هذا الادعاء يورث آفة مخالفة الظاهر للباطن. واختتم مداخلته بإبراز دور صحبة الصالحين في علاج هذه الآفة لأنها تورث صدق الطلب. فيما كانت المداخلة الثالثة للدكتور عبد الرزاق تورابي بعنوان “جلباب المساكين” والذي استوحاه من إحدى أقوال الشيخ الطريقة القادرية البودشيشية الدكتور مولاي جمال القادري. افتتح مداخلته بذكر شمائل الشيخ الدكتور مولاي جمال الدين القادري بودشيش، مبينا عظمة محبة جده الشيخ سيدي الحاج العباس قدس الله سره له، حيث كان يحب حفيده حبا لا يوصف ويتعهده بالرعاية والمودة، فكان يلازمه ويلقنه الأذكار ويتتبع سيره الروحي وحياته الخاصة، فنال حظا وافرا من المذاكرات النفيسة التي كان سيدي الحاج العباس يجود بها عليه، حيث كان يحدثه عن أهل الله و تحملهم الصعاب في البحث عن العارفين بالله ويصف صبرهم وصدق طلبهم وبذل مهجهم للاستفادة من صحبتهم وتضحيتهم في طلب وجه الله تعالى. وعرَضَ المتدخل إلى ذكر الذرة النفيسة التي ساق منها عنوان مداخلته في قول الشيخ سيدي جمال الدين القادري بودشيش : “اشهدوا علي معشر الذاكرين والذاكرات إنني مسكين وأحب المساكين واخترت لنفسي أن أرتدي جلباب المسكنة الذي لا يفنى ولا يبلى ولا يحول ولا يزول، وهذا كان جبليا في طبعي منذ الصغر إلى الكبر، لأن مقام المسكنة من أعلى المقامات، لذلك أنصحكم أن تكونوا مساكين في أحوالكم أغنياء بربكم، اسعوا أن تكونوا أغنياء في الظاهر مساكين في الباطن لذا اعملوا بجد من اجل الكسب الحلال وابتعدوا عن الكسب الحرام وأوصيكم كذلك بتقوى الله وأن تكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر وأكثروا من ذكر الله تعالى”، وقد أكد هذا القول بأحاديث نبوية تدعو إلى الزهد والمسكنة وعدم الاغترار بالدنيا. وأشار إلى أن قول الشيخ الدكتور مولاي جمال القادري بودشيش الذي عنونه بـ ” جلباب المسكنة” هو دعوة إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، مستدلا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أحيني مسكينا وأمتنا مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة. و أوضح أن الدعاء فيه إرشاد للأمة من أجل استشعار التواضع والإخبات لله وعدم الافتخار والاحتراز عن الكبر والخيلاء وعدم الترفع على شيء من خلق الله. و ذَّكر في نفس المضمار بقول الشيخ الدكتور مولاي جمال الدين : “من أراد الربح فليتواضع لإخوانه المؤمنين، ومن أراد السر فعليه ان يتواضع للناس أجمعين”. كما مثل للمسكنة بمذاكراة للشيخ الدكتور مولاي جمال الدين وضح فيها المسكنة بعلم النحو وخاصة علم نحو القلوب؛ فإذا كانت الحركات الإعرابية عند النحاة رفعة ونصبة وجزمة تكون كلها بأعلى الحرف فإن الخفضة أشرف الحركات لأن تكون في أسفل الحرف، وهذه الخفضة أمر الله بها نبيه بقوله : {واخْفِضْ جناحك للمُومِنِينَ} سورة الحجر- الآية: 88. كما مثل لعظمة مقام المسكنة بالخفضة في باء بسم الله الرحمن الرحيم التي وردت في الأسفل ونقطتها أيضا مستدلا بالخبر المأثور :”كل ما في الكتب السماوية في القرآن الكريم وكل ما في القرآن الكريم في فاتحة الكتاب وكل ما في فاتحة الكتاب في البسملة وكل ما في البسملة في بائها وكل ما في بائها في نقطتها”. واستشهد الدكتور تورابي بجعفر الصادق حين “رآه بعض الناس وقد لبس ثيابا فاخرا نفيسا وقال له: يا ابن رسول الله ليس هذا من زي أهل بيتك ولباسهم، فأمسك جعفر رضي الله عنه بيده وأدخلها تحت الثوب فإذا على جسده الشريف كساء غليظ تتأذى منه بشرته، فقال: يا فلان هذا للحق، وهذا للخلق”. وبين أن المسكنة لا تتحقق في الإنسان إلا بالزهد، الذي معناه الابتعاد عن الكسب الحرام وعدم التسابق على الدنيا وزخارفها، كما أنها تتحقق بالصحبة والاكثار من ذكر الله تعالى الذي تحصل به الطهارة القلبية. وختم مداخلته بدعاء نبوي كان يكثر من ذكره الشيخ الحاج حمزة قدس الله سره،”اللهم اجعلني صبورا واجعلني شكورا واجعلني في عيني صغيرا واجعلني في أعين الناس كبيرا”. لتتلوها كلمة علمية للدكتور صلاح الدين فخري النقشبندي البيروتي التي ابتدأها بالدعوة إلى ضرورة التمسك بالمحجة البيضاء التي ترك عليها الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين والتي يتقيد التصوف بها. كما تحدث عن أحوال أهل الصفة الذين كانوا لا يأوون لا على أهل ولا على مال ولا على أحد، مذكرا بالحديث النبوي الذي دعا في الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الصفة للإقبال عليه، وقد وصف الدكتور أهل الصفة بأنهم كانوا فرسانا في النهار رهبانا في الليل. وأكد أن التصوف هو طريق الصالحين والأنبياء والمخلصين، وأن طريقهم تسير مع الشريعة حيث سارت ومع العلم والعقل والسليم، وأنها مقتبسة من نور المصطفى عليه الصلاة والسلام، واستشهد بأقوال لثلة من علماء الإسلام من بينهم زكرياء الأنصاري والجنيد وابن عجيبة وابن خلدون. وأوضح أن الصوفية مأخوذة من إقبال العباد على الله ليكونوا في الصف الأول في حياتهم الروحية وفي أذكارهم وحياتهم وزهدهم لاتصالهم بطاعة الله اتصال صدق وجهد وعبادة وصون أنفسهم وقلوبهم عن الغفلة والبعد، وأن مرادهم وغايتهم هي صفاء القلب مع الله تعالى. وبين ان التصوف يتأسس على مقام الإحسان ومراقبة الواحد الديان بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، وأشار إلى أن التصوف مقيد بالكتاب والسنة مستدلا بقول الجنيد: أمرنا هذا مقرون بالكتاب والسنة. وختم مداخلته بالتحذير من الابتعاد عن طريق أهل التحقيق لأن طريقهم هو الذي لا يطفئ فيه نورُ المعرفة نور ورعه، ولا يتلكم فيه بباطن علم ينقضه ظاهر الكتاب والسنة مشيرا إلى أن التصوف لا تحمله الكرامات على هتك محارم.مداغ: 7-5-2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى