السلامة الطرقية أم معركة اقتصادية؟.. كواليس حملة حجز الدراجات النارية بالمغرب

مدير الموقع23 أغسطس 2025آخر تحديث :
السلامة الطرقية أم معركة اقتصادية؟.. كواليس حملة حجز الدراجات النارية بالمغرب

جلال دحموني

في الأسابيع الأخيرة وجد آلاف المغاربة أنفسهم في قلب عاصفة غير متوقعة بعدما انطلقت حملة واسعة لحجز الدراجات النارية بدعوى عدم مطابقتها للمعايير أو تعرض محركاتها للتعديل خطوة أربكت حياة عدد كبير من الشباب الذين يعتمدون على هذه الوسيلة كمصدر رزق أو وسيلة تنقل أساسية إذ بدت الحملة وكأنها قرار مباغت اتخذ بعيداً عن أي نقاش عمومي أو توعية مسبقة ما أثار سيلاً من التساؤلات حول خلفياتها وأهدافها الحقيقية، فالأرقام الرسمية قدمت تبريراً سريعاً بالقول إن ربع حوادث السير بالمغرب يتسبب فيها سائقو الدراجات النارية لكن القراءة المتأنية تكشف أن ثلاثة أرباع الحوادث الأخرى مرتبطة بسيارات وحافلات وشاحنات فضلاً عن هشاشة البنية التحتية وغياب مراقبة فعالة للسلوكيات المتهورة على الطريق، هذا التركيز الانتقائي جعل كثيرين يعتبرون أن المسألة لا تتعلق بالسلامة الطرقية وحدها بل بملف اقتصادي تقاطعت فيه المصالح بشكل معقد، ولعل ما زاد من الجدل أن السلطات أطلقت بالتوازي حملة ميدانية لقياس سرعة الدراجات النارية حيث تم تحديد السقف الأقصى في 57 كيلومتراً في الساعة وكل دراجة يتجاوز عدادها هذا المستوى يتم حجزها على الفور باعتبارها غير مطابقة أو خضعت لتعديلات تقنية، وهو إجراء أثار علامات استفهام إضافية حول المعايير المستعملة ومدى عدالتها في غياب أي توعية أو تدرج في التنفيذ، خاصة وأن الدراجات تباع في السوق كما هي دون إشعار مسبق للمستهلك، ومن زاوية أخرى فإن سوق الدراجات النارية في المغرب ليس مجالاً ثانوياً بل يقدر بحوالي 7 مليارات درهم سنوياً إضافة إلى تجارة قطع غيار تتجاوز قيمتها مليار درهم وهو ما يجعله فضاءً جذاباً للتنافس بين الفاعلين الاقتصاديين، وبما أن هذا السوق ظل لعقود تحت سيطرة تجار صغار وشبكات محلية فقد فُهمت الحملة لدى عدد من المراقبين كمقدمة لإعادة هيكلة تسمح لشركات كبرى بالتمدد والهيمنة على عوائد هذا النشاط التجاري المربح، أما على المستوى السياسي فقد بدا أن الملف لم يخلُ من حسابات إذ حظي مدير الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بدعم معلن من أوساط حزبية وازنة في الوقت الذي تم فيه تسريب قرار تعليق الحملة بسرعة إلى الإعلام بعد موجة غضب شعبي عارمة رغم أن الاختصاص القانوني يعود إلى وزارة النقل واللوجستيك ما زاد من غموض الصورة ومن علامات الاستفهام حول من يقرر فعلاً في هذا الملف، والمفارقة أن قضية السلامة الطرقية التي تمس جميع المواطنين تحولت إلى عنوان ثانوي أمام نقاش أوسع حول العدالة الاجتماعية ومصداقية القرارات العمومية، فالمواطن البسيط الذي يركب دراجته للذهاب إلى عمله أو إعالة أسرته وجد نفسه الحلقة الأضعف في معركة معقدة لا تعكس بالضرورة أولويات إصلاح المنظومة الطرقية برمتها.

الاخبار العاجلة