كيف نستفيد من دروس جائحة كورونا لتدارك الأخطاء القاتلة ؟
بقلم / محمد القاضي
مما لا ريب فيه أن جائحة كوفيد-19 قلبت نمط الحياة وأسلوبها رأسا على عقب ؛ وعمقت الجراح وزادت من آلامها في أوساط شرائح عريضة من المجتمع بالرغم من المجهودات الجبارة والضخمة التي تقوم بها الدولة ومؤسساتها والجهود الموازية التي تقوم بها منظمات من المجتمع المدني وبعض مؤسسات القطاع الخاص في مواجهة آثار هذه الجائحة والتخفيف منها ومحاصرة انتشار فيروس كوفيد 19.
لكن لا يمكن أن نخفي الجوانب الأخرى للحقيقة لأن آلاف الأسر من ذوي الدخل المحدود والفئات الهشة تعمقت جراحها وازداد آلامها أكثر قساوة ؛ ومع ذلك صامدون وملتزمون بالحجر الصحي ويرفضون رفضا قاطعا عروض تجار الريع الانتخابي ومساومتهم في جوعهم لأن كرامتهم هي راسمالهم الوحيد الذي يملكون ولا يمكن أن يقبلوا بعرضه في سوق النخاسة.
إن جائحة كورونا عرت الواقع وكشفت طينة ومعدن الناس الذين يدبرون شؤوننا العامة محليا ووطنيا وغربلتهم واحدا واحدا وافرزت معادن السوء ومعادن الخبث والغدر والخيانة والجرثومية عن معادن الرجال ومعادن الأصول الطبية…
كورونا فرزت الجراثيم التي تتغذى من الدسائس والخيانة والغدر ؛ عن طينة الرجال الذين يخافون على وطنهم ومستقبله؛ ووضعت كل منهما في مكانه الصحيح؛ ولكنها ايضا تعطينا دروسا في غاية الأهمية وتلهب مشاعرنا الانسانية والقومية ووجداننا؛ وترسم لنا معالم الطريق الصحيح الذي ينبغي ان نسير فيه …
لذلك حان الوقت لمراجعة حساباتنا وتدارك أخطاء تهورنا وأنانيتنا وتغليب منطق العقل على منطق شيطان النفس ؛؛وان نضع يدا في يد لبناء مغرب قوي يتسع لجميع المغاربة ؛ مغاربة اليوم ومغاربة الغد..
حان الوقت أن نركز اهتمامنا الخاص على العلاقة الجدلية والعضوية بين المواطن والوطن وأن ندرك معنى هذه الجدلية وعلاقتها بالكرامة الانسانية وبمجد الأوطان؛ إذ لا كرامة لوطن لا يحمي كرامة مواطنيه ولا كرامة لمواطن لا يحمي كرامة وطنه..فكل طرف منهما يستمد قوة كرامته من كرامة الطرف الآخر.
أصبحنا اليوم كلنا معنيون بالعمل على تحرير مدننا من قبضة لوبيات خردة البزار الانتخابي والريعي والاجرام الاقتصادي والمالي وعصابات الفساد والإفساد والشروع في بناء مستقبل واعد على أساس تطلعات وانتظارات مغاربة اليوم ومغاربة الغد.
ولأجل ذلك ينبغي أولا أن نتحرر من جميع الألوان والتخندقات الوهمية ( يسار – يمين – وسط- إسلاموي- شيوعي – اشتراكي)؛ والتي أعتبرها كلها ألوان لعملة واحدة يستخدمها الريعيون والبورجوازية الإستبدادية لتفتيت جهودنا ولمنع وحدتنا وتفريقنا ولخلق صراعات وهمية بيننا على أساس هذه التموقعات الوهمية لكي يستمر الريعيون في مص دمائنا والعبث في مصيرنا ومصير أجيال الغد .
لذلك علينا أن نقاطع الفاسدين وأن نشن عليهم حملة تعرية واسعة النطاق وفضحهم بطرق حضارية والضغط في اتجاه مساءلتهم ومحاسبتهم ومنعهم من عبور محطة 2021.
الشباب والاشخاص الذين يسوقون لرموز الفساد وتلميع وجوههم الخامجة والبشعة مقابل بعض الدريهمات؛ يُجدر بهم أولا أن يسائلوا أنفسهم عن مصدر الثراء الفاحش لهذه الرموز الديدانية وكيف حصلوا على ثرائهم هذا وما هي الكلفة الاجتماعية والاقتصادية لهذا الثراء الفاحش على التنمية المجتمعية ومن هم ضحاياه؟
أي ثراء فاحش انبنى على خيانة الأمانة واختلاس المال العام واستغلال النفوذ للسطو على عقارات وأموال الناس ؛ يجب سحق أصحابه وتعريتهم وفضحهم ومساءلتهم مساءلة قضائية وفضح المرتزقة الذين يسوقون لهم.
ينبغي علينا أن نحرر أنفسنا من الحزبية الضيقة ؛ لأنها مدمرة ولها كلفة ثقيلة على النهضة المجتمعية؛ فالحزبية التي يجب ان نسوق لها هي الانسان المغربي والوطن المغربي على اعتبار أن التنظيمات السياسية هي نفسها ليست سوى آلية لتأطير وتكوين المواطن وتمثيله في المؤسسات المنتخبة ؛ ومن ثمة يجب ان يكون التبارز بينها بالبرامج والمنجزات والمحاسبة .
يجب ان نؤسس لثقافة سياسية جديدة يندمج فيها البعد الأخلاقي والإنساني والبيئي والأهلي (أي الوطني) واستحضار البعد القومي (الوطن العربي والاسلامي) في وجدان السياسي.
هذه هي الثقافة السياسية التي ستمكننا من تفكيك أوكار النخب السياسية الفاسدة وتفكيك مشاريعها الإفسادية ومحاسبة كل من تورط في شبهات تبديد المال العام والمضي بوطننا نحو غد مشرق وواعد وتذليل كل التحديات والصعاب .
معا نستطيع بناء مستقبل أفضل لمدننا وقرانا