إقرار قانون التعبئة العامة في الجزائر بين الأبعاد السياسية والأمنية

مدير الموقع22 أبريل 2025آخر تحديث :
إقرار قانون التعبئة العامة في الجزائر بين الأبعاد السياسية والأمنية

جلال دحموني

في خطوة وصفها البعض بأنها تحمل أكثر من دلالة سياسية وأمنية، صادق مجلس الوزراء الجزائري، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، على مشروع قانون جديد يتيح إعلان حالة التعبئة العامة في حال تعرض الأمن القومي لأي تهديد. قرار جاء في ظرف داخلي بالغ الحساسية، حيث لا يمكن قراءته فقط ضمن الإطار الدستوري المعلن، بل يُفهم أيضًا على أنه محاولة استباقية لاحتواء التصدعات الداخلية التي تتوسع بشكل متواصل.
الجزائر، التي تعيش اليوم على وقع أزمة متعددة الأوجه: اقتصادية، اجتماعية، وسياسية، جعلت يوميات المواطن محاصرة بشعور العجز وانسداد الأفق. تحولت المواد الأساسية إلى سلع بعيدة المنال، أشبه بالكماليات، وأصبح المواطن يُجبر على الوقوف في طوابير طويلة، قد تدفعه إلى المبيت فيها على أمل الحصول على نصيب منها، أو يعود خالي الوفاض بعد ساعات طويلة من الانتظار المرير.
ورغم ما تزخر به الجزائر من ثروات طبيعية ضخمة، من غاز وبترول، فإن هذه الثروات أصبحت رهينة في يد الجيش، المتحكم والمستغل لكل موارد الشعب. هذا الواقع أدى إلى ارتفاع الأسعار، وتزايد نقص المواد الحيوية، وانسداد أفق الإصلاح. كل هذه العوامل تدفع الشارع الجزائري نحو حالة غليان، لا يمكن التنبؤ بعواقبها، في وقت تبدو فيه السلطة عاجزة عن تقديم رؤية إنقاذية حقيقية للشعب الشباب العاطل، المناطق المنسية، والطبقات المتآكلة.
ويمكن أن تشمل هذه المكونات الاجتماعية أيضًا عناصر من الجيش والأمن، مما يخلق خليطًا اجتماعيًا قابلًا للاشتعال في أي لحظة، وسط استمرار التضييق على الحريات وملاحقة الأصوات المعارضة وعلى المستوى الخارجي، يتعمق الشعور بالعزلة الدبلوماسية، في ظل علاقات متدهورة مع شركاء تقليديين مثل فرنسا ودول الساحل الإفريقي، وفقدان تدريجي للدور الإقليمي في ظل تحولات جيوسياسية تعيد رسم خارطة النفوذ في المنطقة. في الوقت ذاته، تحقق المملكة المغربية اختراقات دبلوماسية متتالية خصوصًا في ملف الصحراء المغربية مما يزيد من الضغوط على صانع القرار في الجزائر.
في هذا السياق يطرح قانون التعبئة العامة نفسه كأداة لضبط الداخل أكثر من كونه استعدادًا لمواجهة تهديدات خارجية. يمنح القانون الرئيس سلطات واسعة تشمل تجنيد المدنيين واستدعاء الاحتياط، ما يُفهم على أنه تحضير قانوني لمواجهة أي انفلات أمني أو حراك محتمل في الشارع، بعيدًا عن أي نية حقيقية للإصلاح أو الانفتاح. فالقانون، وإن كان يتحدث عن ظروف استثنائية، إلا أن توقيته يثير تساؤلات حول سعي السلطة إلى تكريس منطق الطوارئ بغطاء دستوري، والتهيئة لمرحلة قد تطغى فيها المقاربة الأمنية على أي خيار آخر
مهما حاول النظام فرض مناخ الخوف، فإن التاريخ القريب يُذكّر الجميع بأن الشعب الجزائري، الذي خرج في 2019 لكسر حاجز الصمت، لا يزال يمتلك القدرة على العودة إلى الشارع متى استشعر أن مصيره يُدار دون إرادته، وأن القوانين تُسنّ لا لحمايته، بل لإحكام القبضة عليه.

الاخبار العاجلة