اقتصادكتاب الاراء

الصحافة الاقتصادية ودورها في الاقلاع بالتنمية المستدامة.

فار بريس بقلم : جلال دحموني

كثير من المهتمين بمجالات الفكر والاقتصاد وحقول معرفية أخرى يتساءلون عن علاقة الإعلام بهذه المجالات المعرفية ومن المستفيد من الآخر – أي هل الاعلام هو الذي يستفيد من الحقول المعرفية الأخرى أم أن هذه الأخيرة هي التي تستفيد من الاعلام؟
سأخصص هذه المقالة لمقاربة العلاقة القائمة بين الاعلام والاقتصاد ومن يؤثر منهما اكثر في الآخر وهل يمكنهما الاستغناء عن بعضهما البعض؟
مقاربة الجواب على هذه التساؤلات سيجرنا الى الحديث عن ما يمكن أن أسميه بـ “الصحافة الاقتصادية” ودرجة تأثيرها على قاطرة التنمية المستدامة بالمجتمع.
يجب التذكير أولا إلى أن أي مجتمع توجد به اشكال اقتصادية عديدة ومتنوعة منها ماهو تقليدي ويدوي ومنها ماهو جد متطور ومنها ماهو حضري ومنها ماهو ريفي؛ وأن كل شكل او مظهر من مظاهر الاقتصاد يعتمد على أساليب محددة ؛ وهي في النهاية كلها تصب في خدمة الحياة الاقتصادية على المستوى المحلي والوطني وعلى مستوى الفرد والأسرة والمنشآت والقطاعات .
وهذه الأنماط والوسائل والقوى المنتجة سواء كانت خاصة أم عامة، ربحية أم غير ربحية، خدماتية أم تجارية كلها تتعامل فيما بينها وتتعامل مع غيرها من المنظمات كما تتعامل مع الأفراد والخواص، كما تتعامل على مستوى خارجي ودولي.
هذه الدينامية والسلوكات الاقتصادية؛ يقول الباحث والكاتب الصحفي محمد قيراط تحتاج إلى إعلام اقتصادي متخصص وقوي وفعال، وإلى دراسات وتحليلات وتقارير وبيانات وإحصاءات وتوجيهات وإرشادات ووعي اقتصادي على مختلف الأصعدة من أجل تخليق وعقلنة الحياة الاقتصادية والسلوك الاقتصادي الواعي والمسؤول والسليم وتخليق الفضاءات الخاصة بالاقتصاد أي المساهمة في خلق بيئة مناسبة للأعمال والتسويق؛ وهذه المهمة يقوم بها الاعلام والصحافة …وهو ما يعني أن هناك علاقة جدلية عضوية بين الصحافة والحياة الاقتصادية أي أن الفاعل الصحافي يخدم مصالح الفاعل الاقتصادي وهذا الأخير يخدم مصالح الفاعل الاعلامي؛ وهما معا يخدمان مصالح المجتمع وأعضائه.
وما يجب ان نستحضر ه في أذهاننا هو أن المعلومة في عالم الاقتصاد تعتبر سلعة مهمة وإستراتيجية سواء بالنسبة للشخص ( ذاتي كان أم اعتباري). وهذا يستلزم أن تقوم هذه العلاقة بين الاقتصادي والاعلامي على أسس متينة تقوم على العلم والمعرفة والتخصص. فالذي يكتب ويحلل ويناقش ويستشرف وينتقد في المسائل والقضايا الاقتصادية يجب أن يكون متخصصا وله دراية وخبرة وتجربة في المواضيع الاقتصادية المختلفة التي يكتب عنها.
المهمة تحتاج إلى تخصص وجهد ومتابعة. فالمقاولات الإعلامية بحاجة إلى صحفيين متخصصين في مجال الاقتصاد وبحاجة إلى دورات تكوينية بصفة منتظمة وتداريب مستمرة يكون الهدف منها تقوية معارف الصحفي الاقتصادي وخبراته في مجال تغطية ومناقشة وتحليل ودراسة القضايا والشؤون والأحداث الاقتصادية.

كما نلاحظ من جهة أخرى، العلاقة الوطيدة بين المعلومة والقرار الاقتصادي ومن هنا يأتي الدور الإستراتيجي للإعلام الاقتصادي في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام وفي مسايرة التنمية الشاملة في البلاد وفي ممارسة النقد والتقويم والتوجيه والإخبار ونشر الوعي الاقتصادي في المجتمع. الموضوع هنا لا يتعلق بنشر أخبار عامة وأحداث اقتصادية، وإنما يتعلق بدراسات وتحليلات وتعاليق وتقارير وإحصاءات وبيانات وكل ما من شأنه أن ينشر الوعي والثقافة الاقتصادية التي تجعل من الفرد كائن اقتصادي واع ومسؤول ويعرف كيف يدير نشاطه الاقتصادي وقراراته الاقتصادية، وتجعل من المنظمة مؤسسة تدار بطريقة رشيدة وفعالة وناجحة. دور الإعلام الاقتصادي هو توعية الفرد وتثقيفه باعتباره كائنا اقتصاديا، يتخذ قرارات اقتصادية بصفة يومية ومستمرة. وما ينسحب على الفرد ينسحب على المؤسسة ومختلف المنظمات في المجتمع وعلى الدولة نفسها. فالاقتصاد هو جزء لا يتجزأ من حياة الفرد الذي يتخذ قرارات اقتصادية عديدة في اليوم الواحد. من جهة أخرى، نلاحظ ارتباط النشاط الاقتصادي في أي مجتمع بالنشاط الاقتصادي العالمي وبالعولمة وبأنشطة البورصات العالمية والشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الاقتصادية والنقدية والبنوك العالمية.

كما نلاحظ أنه لا حياة اقتصادية من دون إعلام اقتصادي، ولا نجاح لمشاريع تنموية وللتنمية المستدامة من دون وعي اقتصادي وثقافة اقتصادية من قبل أفراد المجتمع الذين هم بالأساس الفاعلون الرئيسيون في عملية التنمية. فلا نجاح للتنمية والتطور والتقدم من دون أفراد يكونون في مستوى المسؤولية التي تقع على عاتقهم. فالاستثمار في تنمية الموارد البشرية يعتبر الاستثمار الرئيس والأساس لنجاح أية عملية تنموية واقتصادية. يعتبر الإعلام الاقتصادي حجر الزاوية في تهيئة الأجواء اللازمة والضرورية للحركة الاقتصادية الناجحة في المجتمع حيث إنه يعمل على توفير البيانات والمعلومات للعامة والمتخصصين سواء تعلق الأمر بحركة الاستثمار، المجالات الاقتصادية المختلفة، القوانين، إجراءات إنهاء المعاملات، أخبار الأسهم والبورصات وأسعار صرف العملات…الخ. كما يعرف الإعلام الاقتصادي بالحركة الاقتصادية في الدولة والعالم. ومن أهم وظائف الإعلام الاقتصادي نشر الوعي والثقافة الاقتصادية في المجتمع كالتعريف بالقوانين والتشريعات والإجراءات التنظيمية (الضرائب، الأسعار، الأرباح، الفوائد، السندات، الاحتكار، الغش، التقليد، التهريب، التسويق…الخ) حتى يستطيع الفرد أن يعرف حقوقه وواجباته. من هنا يأتي الدور الإستراتيجي للإعلام الاقتصادي في التنمية الشاملة وفي ربط رجال الأعمال والاقتصاد والمؤسسات ببعضها البعض وبالجمهور.

فالوعي الاقتصادي والثقافة الاقتصادية هما ركيزتان أساسيتان لنجاح العملية الاقتصادية والتنمية المستدامة في المجتمع. فمن أهم وظائف الإعلام الاقتصادي التغطية الشاملة والوافية والدقيقة للأحداث الاقتصادية محليا وإقليميا ودوليا؛ طرح مختلف وجهات النظر والآراء حول المسائل الاقتصادية وتكوين آراء ومواقف مبنية على معلومات سليمة وتحليلات ودراسات؛ تقديم الأطر والخلفيات والتفسيرات الضرورية لفهم القضايا الاقتصادية في سياقها السليم؛ نشر الوعي والثقافة الاقتصادية حتى تسهم الفئات الاجتماعية المختلفة في الفعل الاقتصادي وفي القرار الاقتصادي السليم والرشيد. ومن وظائف الإعلام الاقتصادي كذلك الكشف عن التجاوزات والأخطاء والمعوقات التي تعترض سبل نجاح التنمية والتطوير في المجتمع كسوء الإدارة والتسيير وضعف القرار الاقتصادي والفساد المالي وسوء استغلال الموارد المادية والبشرية. وأخيرا يسهر الإعلام الاقتصادي على المساهمة في دعم البرامج الاقتصادية ومشاريع التنمية المستدامة من خلال تقديم رسالة إعلامية اقتصادية مبنية على المهنية والحرفية والاستقصاء والنقد العلمي والبناء للخطط والمشاريع التنموية من أجل تكوين الإنسان الاقتصادي الواعي والمبصر لمصيره ومستقبله الاقتصادي.

ومن خلال مواكبتنا لواقع الاعلام والصحافة في مجال الحياة الاقتصادية نسجل العديد من مواطن الضعف والخلل من بينها يشير ضعف الأداء وغياب التخصص وكذلك ندرة المجلات والصحف الاقتصادية المتخصصة على غرار الدول المتقدمة والدول التي تولي أهمية كبيرة للثقافة الاقتصادية وللوعي الاقتصادي وتداخل الإعلان مع الإعلام وسيطرة وكالات العلاقات العامة على المعلومة الاقتصادية.
نحن بحاجة إلى صحافة اقتصادية وهذا الأخير في حاجة إلى إعلاميين متخصصين في الاقتصاد ولديهم خبرة وتجربة ومعرفة تامة بالشؤون والقضايا الاقتصادية.
وعندما اقول نحن في حاجة إلى صحفيين لهم دراية تامة بقضايا الشأن الاقتصادي؛ فإنني أقصد بكل تأكيد ان تكون لهم قدرة على القيام ببحوث واستقصاء وتقييم مبني على مهنية وحرفية عالية لأن الاقتصاد هو علم وممارسة في الميدان له أسسه وقوانينه ونظرياته يقوم على إستراتيجية في الرؤية وفعالية في الأداء؛ خصوصا وأن الإعلام الاقتصادي في الدول المتقدمة يلعب دورا استراتيجيا في غرس ثقة الناس في السوق وفي الاقتصاد. وهذا ما نريده في مجتمعنا المغربي ؛ لأن اقتصادنا اليوم في ظل التحولات العالمية الكبرى ؛ في حاجة ماسة إلى إعلام اقتصادي قوي وفعال يقدم بيانات اقتصادية دقيقة، ويقوم بالنقد والاستقصاء والكشف عن الأخطاء وسوء التدبير والتسيير والفساد والتجاوزات لمواكبة التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ففي ظل العولمة الرقمية والاقتصادية لا مجال للتلميع والمجاملات وممارسة النفاق.
وما نعاينه في الميدان، مع الأسف الشديد، هو وجود فجوة بين حركة التنمية والاقتصاد من جهة، والصحافة الاقتصادية من جهة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!