أسفي فيلاج كبير عبارة بين التسليم والاستنكار

جلال الدحموني15 أغسطس 2022
أسفي فيلاج كبير عبارة بين التسليم والاستنكار

معاد اهليل

تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي عبارة أطلقها مواطن مغربي ينحدر من الأقاليم الجنوبية، فكان لوقعها أثر كبير بين رافض محتقن، ومسلِّم يستاء من واقع أسفي. فما السبب؟ وما مكانة أسفي بين المدن المغربية؟ وهل تتمتع أسفي بمقومات المدَنيَّة والتمدّن؟
لاشك أن الحب إذا تملك قلب الإنسان، سيطر على مشاعره، وتحكم بفكره، وفي كثير من الأحيان يُترجَم إلى أحكام قيمة غير مبنية على أسس علمية أو حتى واقعية منطقية، ومعلوم أن الأحكام لا تصدر إلا إذا توفر شرطا الحياد والمسافة.
لنعد إلى العبارة موضوع النقاش”أسفي فيلاج كبير”، لاشك أن من أطلقها ليس عميلا سريا لدولة معادية، أو مندسا يسعى إلى إثارة الفتنة، وإنما هو تعبير شخصي لم يراع صاحبه، إلى حد ما، مشاعر ساكنة أسفي الغيورة على تاريخه والتي تتمنى رُقيَّه؛ غير أن مطلِق العبارة لاشك قد أسس رأيه الشخصي على ما فتئت ساكنة أسفي تتذمر منه. فأسفي مدينة لم تنل نصيبها من المدَنيَّة الحديثة، وما تزال تعيش على أطلالها القديمة وساكنتها تتمسك بعبارة ابن خلدون “حاضرة المحيط”؛ غير أنها في كثير من الأحيان ترثي حاضرة المحيط رثاءها للأندلس. فهل أسفي حقا مدينة؟
ولتكن لنا وقفة عند بعض المؤهلات المدنية التي تجعل المدينة مستحِقّة لهذا النعت.

النقل من وإلى أسفي:
تتوفر أسفي على قطار واحد متهالك يقوم برحلتين في اليوم إلى بنجرير، قطار مختنق، تكييفه معطل يكسو كراسيه غبار الفوسفاط، يسير على سكة بدبدبات قد تبلغ 5 او 6 درجات حسب سلم ريشتر. لا أحد يخفى عليه حال الحافلات المرخص لها النقل بأسفي، ولاسيما النقل المدعو بالمزدوج والذي يعوِّض حافلات المدينة التي يفترض فيها تغطية النقل إلى مداشر أسفي، فإذا كان النقل بمراكش يمتد لما يزيد عن 40 كلم فهو بأسفي بشكله الدائم لا يتعدى 29 كلم سبت ݣزولة أما الصويرية والبدوزة فرحلتان موسميتان. ومن وسائل النقل الأساسية بأسفي عربات الكارو المستعملة في النقل الحضري بين اعزيب الدرعي وقرية الشمس مرورا بحي الهناء ومرجانة، وكذا بين الكورس وأموني مرورا بكاوكي، فلا مجال للحديث عن البراق أو الطراموي.

مرافق الترفيه والسياحة:
يتوفر أسفي على بنية تحتية متواضعة، كما يفتقد إلى المناطق الترفيهية المزوّدة بالخدمات الأساسية، اللهم إذا استثنينا منتجع رأس الأفعى الذي أنقذ ماء وجه أسفي، غير أنه ليس في متناول من لا يتوفر على وسيلة نقل؛ لأنه لن يطيق انتظار حافلة الخط 4 على رأس كل ساعة. والمناطق الخضراء شبه منعدمة لأن أسفي مدينة إسمنتية بامتياز، فمنذ أن أطلقت بها أوراش المنعشين العقاريين لم تُضَف إلى قائمة المساحات الخضراء ولا واحدة(كاوكي108، المطار، الريحان، الهناء، مرجانة، المسيرة، لمياء، هشام، مايا، السلام، الكتبية…) كلها دون حدائق وبساتين، ولاشك أن هناك من سيقول هناك الكارتينغ، غير أن من يعرف الكارتينغ حقيقة فسيعلم أنه تعرض للإبادة وزحف الإسمنت، أما الحديقة المحادية للكلية المتعددة التخصصات فلا أظن أن هناك من سيدافع عليها، وتظل غابة العرعار بؤرة سوداء. فهل هناك مدينة دون مساحات خضراء؟

الأسواق والتجارة بأسفي:
حقا لقد تم وضع برامج لتأهيل الأسواق بأسفي، لكن هل هي أسواق مدَنيَّة؟ الأمكنة المخصصة لبيع السمك تنبعث منها روائح جد كريهة، قنوات صرف المياه فتحاتها على امتداد السوق مصدر للنتانة والتقزز، الأماكن المخصصة لبيع اللحوم يكسوها ذباب بحجم الصراصير، وهو لم يعد كسالفه بالأبيض والأسود بل إنه ذباب بالألوان، لحوم معروضة دون مراقبة لجودتها ودون مراعاة لمعايير السلامة، فلا هي خلف زجاج يقيها الطفيليات، ولا هي في مبرّد يحافظ على جودتها وطزاجتها. أسواق عشوائية تعيش فوضىً عارمة كحال الأسواق الأسبوعية.

الأحياء والتجمّعات السكانية:
لن أتحدث عن الأحياء القديمة لأنها عريقة بتقادمها، ولكن سأتحدث عن الأحياء الجديدة، هل هناك مدينة ترخِّص لمنعش عقاري تجهيز تجزئات دون ربط بقنوات الصرف الصحي، وهو حال حي الهناء الذي ينام سكانه فوق مستنقع حفرة للصرف الصحي؟ كما أنها تجمعات سكنية دون مرافق عمومية أو مساحات خضراء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك أحياء بُنيت بثلاثة طوابق وبأزقة لا تتعدى ستة أمتار، وهذا يعني في مجال التعمير أن الطابق الارضي لن ير الشمس مطلقا، وسيارات سكانها يجب أن تبقى خارج الحي، كحال حي السلام والكتبية وتجزئة النهضة. وهل من المدَنيّة أن تكون هناك أحياء شبه منعدمة التجهيز، كحال حي الوريردات، لا إنارة ولا ماء ولا كهرباء ولا طرق معبّدة ولا مؤسسات تعليمية، ولا أي مقوِّم من مقومات الحياة الكريمة.
وسأختم تصوري لمنطق حكم القيمة الذي أطلقه الشخص الذي شبَّه قرة العين أسفي الغالية الجريحة بالفيلاج الكبير بمجموعة من التساؤلات:

  • هل من المدَنيّة أن لا تتوفر المدينة على رؤية استراتيجية مستقبلية؟
  • هل من المدَنيّة إنشاء ثكنة عسكرية في ميناء يستحق أن يكون منطقة سياحية يستمتع بها سكان وسياح أسفي؟
  • هل من المدَنيّة أن تكون هناك أحياء دون إنارة عمومية أو ناقصة الإنارة؟
  • هل من المدَنيّة أن تكون شوارع المدينة كلها حفر باستثناء بولفار س وشارع كندي؟
  • هل من المدَنيّة أن يكون هناك طبيب واحد ل 700 ألف نسمة، وهناك هناك أمراض وتخصصات دون طبيب؟
  • هل من المدَنيّة أن تنام النُّفَساء على الأرض بعد ولادتها؟
  • هل من المدَنيّة أن يسرق المواطن غطاء قناة الصرف الصحي ليبيعها لتُجّار الحديد؟
  • هل من المدَنيّة أن تكون أسفي قبلة للتخلص من المتشردين، والمواطنين الأفارقة، والكلاب الضالة؟
  • هل من المدَنيّة أن ترعى قطعان الغنم في أحياء أسفي؟
  • هل من المدَنيّة أن يكون هناك ملعب لكل عشرة آلاف طفل؟
  • هل من المدَنيّة ألاّ نقبل النقد والحوار؟ ختاما أقول إن النقد والانتقاد يجب أن يكون حافزا للمسؤول من أجل بذل طاقاته الخلاقة لخلق واقع أفضل، وإن النفس لا تسمو إلا بتجاوز عيوبها فرحم الله من ساهم في تعريفي بعيوبي.
الاخبار العاجلة