فار بريس. بقلم / جلال دحموني
أثار انتباهي وجود منشورين على أحد المواقع الالكترونية المحلية بمدينة فاس يتحدث كاتبيهما على جمعيات المجتمع المدني بمدينة فاس والوظائف المنوطة بها، إذ أنني أتفق مع بعض الأفكار التي تضمنها المنشورين ولا أتفق مع أخرى..
وفي هذا المقال لا أدعي الأستذة على أي منهما أو على أي أحد آخر، بقدر ما أنني أسعى إلى المساهمة في إثراء النقاش والحوار ومقاربة الفعل الجمعوي بمدينة فاس في مردوديته ومدى تأثيره على صناع القرار على المستوى المحلي ومدى إسهامه في تحقيق الارتياح الاجتماعي من وجهة نظري المتواضعة باعتباري فاعلا جمعويا راكم عدة تجارب أتاحت لي الفرصة للاطلاع بكل دقة على تضاريس ودروب العمل الجمعوي.
أنا هنا لن أتهم أي أحد بالارتزاق الجمعوي ولن أتهم أي أحد بالمثالية ، لأنه لا يمكن لأي أحد أن ينفذ إلى أمخاخ الناس للاطلاع على نواياهم ومقاصدهم من العمل الجمعوي، لأنني أعتقد جازما أن مقاربة الفعل الجمعوي على أساس الإدانة والتبرئة بشكل جزافي؛ سيقودنا الى مطبات جدالية عقيمة والى القفز عن النقاش الحقيقي المتمثل في معانات وإكراهات العمل الجمعوي.
المشكل الاساسي والجوهري الذي تتخبط فيه معظم الجمعيات يتمثل في وجود مستويين من الاكراهات .
المستوى الاول يضم الاكراهات الذاتية:
مما لا ريب فيه أن نسبة كبيرة من الجمعيات بمدينة فاس تعاني من إكراهات ذاتية نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر ؛ إفتقار العديد من الفاعلين الجمعويين إلى ثقافة التطوع وقصور الرؤى في تحديد البرامج وطرق تنفيذها وتنزيلها وعدم إلمامهم ودرايتهم بأبجديات العمل الجمعوي والقوانين المؤطرة والمنظمة له وافتقارهم لثقافة المأسسة ؛ لأن نظرتهم للعمل الجمعوي بعيدة كل البعد عن فلسفة وروح العمل الجمعوي التطوعي رغم ان نواياهم حسنة ؛ وأنهم فعلا يسعون إلى التأسيس لبصمات إيجابية داخل المجتمع ؛ ولكن ثقافتهم البسيطة في هذا المجال يشكل إكراها حقيقيا يحول دون تمكين العديد من الجمعيات من تحقيق أهدافها.
أما المستوى الثاني من الاكراهات ؛ فيتمثل في وجود عوائق موضوعية عديدة من أبرزها غياب التمويل واصطدامها بعراقيل وعقبات من قبل أطراف أخرى داخل المجتمع و التعامل مع مطالبها يتجاهل ومبالاة في أحيانا كثيرة وانتصار الحس السياسي الضيق على الحس الجمعوي مما يؤدي الى تفطيل عملها والالتهاء في صراعات جانبية ضيقة ؛ زد على ذلك التعامل معها بانتقائية من قبل مؤسسات وجماعات ترابية؛ ليس على أساس المردودية ؛ وإنما على أساس المحاباة والولاء…..
إذن طبيعي جدا أن تكون مردودية نسبة كبيرة من الجمعيات ضعيفة؛؛ لأنها بكل بساطة تصطدم بالعقبات السالف ذكرها أعلاه؛….
فإذا كان دستور 2011 جعل من جمعيات المجتمع المدني فاعلا أساسيا وشريكا مهما في تدبير الشأن المحلي من بوابة الديمقراطية التشاركية ؛؛ فإن أغلب الجماعات الترابية لازالت تحن الى الممارسات ما قبل دستور 2011 بدليل أنها تنفرد وتستأثر باتخاذ القرارات التي تهم الشأن المحلي من دون اشراك جمعيات المجتمع المدني في هذا التدبير ؛؛ بالرغم من القانون رقم 113.14 المتعلق بتدبير الجماعات الترابية ؛؛:ينص على ضرورة تشكيل لجنة الانصاف وتكافؤ الفرص من ممثلي جمعيات المجتمع المدني العاملة بترابها ؛ قصد اشراكها في الترافع والادلاء بآرائها حول قضايا تدبير الشأن المحلي؛ ولكن يلاحظ أن غالبية الجماعات أو من يتربعون على عروشها يتجاهلون هذا النص القانوني.
اما فيما يخص أهداف العمل الجمعوي ؛؛فإن المشرع أقر لكل جمعية الحق في تحديد اهدافها ما لم تتعارض مع المقتضيات الدستورية والقوانين الجاري بها العمل؛؛ إذ يمكن لها أن تشتغل على اي هدف وفي اي مجال مثل المجال الثقافي ؛ الرياضي ؛ البيئي ؛؛الطفولة ؛؛الزراعة ؛ الحقوقي ؛ التربية والتكوين والمجال الشبابي أو الاشتغال حول فكرة معينة أو مصلحة شريحة سكنية معينة وغيرها من الاهداف الكثيرة .
وينبغي ايضا في الصدد الإشارة إلى أن جميع الأنشطة التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني بغض النظر عن طبيعتها وحجم مردوديتها ؛ فإنها تندرج ضمن خانة الأنشطة الموازية لمؤسسات الدولة ومكملة لها ؛:وأحيانا تأخذ طابع الترافع عن قضايا محلية أو وطنية او دولية وممارسة الرقابة الشعبية ورصد الاختلالات والمخالفات قصد إيصالها للجهات الحكومية المعنية أو السلطات المختصة .
إذن من خلال ما تمت الإشارة إليه يتضح جليا أن الجمعيات تضطلع بأدوار ووظائف مهمة في ارساء التنمية المستدامة في ابعادها الشمولية والانسانية والعمل على تأمين سبل المعيشة وتقديم الخدمات حيثما تكون الدولة والأسواق ضعيفة، وعلى تعزيز القيم الاجتماعية، وشبكات الاتصال المختلفة والانخراط في التأسيس لمشاريع صغيرة مدرة للدخل.
أما على المستوى الاجتماعي ؛ فإن دورها يتجلي في قيام العديد من الجمعيات بمهام تكميلية في الرعاية الاجتماعية وتنشيط الحياة الثقافية والابداع الفكري، لتعليم الناس مهارات المواطنة والمساهمة في تقليص التفاوتات الاجتماعية، من خلال تنفيذ برامج متكاملة في مجالات الرعاية والتنمية الاجتماعية، مثل برامج التعليم والتدريب، محو الأمية وبرامج مساعدة المرضى وتقديم قروض ومنح للراغبين بالزواج ومساعدة السجناء وذوي الاحتياجات الخاصة وإقامة المراكز الاجتماعية للأطفال والمسنين..
يتبع …….