مجتمع

من أجل دولة ديمقراطية قوية ومجتمع حر قوي.

فار بريس   

قدمت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تقريرها أمام جلالة الملك يوم 25 ماي 2021، بالموازاة مع نشره لعموم المواطنين ، والذي يعكس بشكل عام  جودة المجهود التقني المبذول من طرف أعضائها. وإذا كان التشخيص المقدم استمرارا لنفس التشخيصات التي سبق الإشارة إليها في التقارير السابقة الصادرة عن الكثير من الهيئات الرسمية وغير الرسمية، فأنه يشير بشكل واضح وشامل إلى أهم الاختلالات التي تسببت في تعطل مسار التنمية، ويرصد أفكارا جديدة  خاصة في مجالات التربية والتعليم والاقتصاد الرقمي والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مما يتيح إمكانات حقيقية لتطويرها. 

توقعت حركة “معا” أن يشكل الإعلان عن مخرجات التقرير الذي طال انتظاره حدثا تاريخيا هاما وفرصة لخلق زخم تواصلي غير مسبوق بالنظر للتحديات الكبيرة والأسئلة الملحة التي يفترض تقديم أجوبة بخصوصها. وزاد من رفع سقف انتظاراتنا الأهمية التي أولتها أعلى سلطة في البلد والإمكانات الكبيرة التي وضعت رهن إشارة اللجنة والكفاءة المعترف بها لأعضائها، غير أن خلاصاتها جاءت دون المتوقع، ويمكننا أن نجزم أن المغرب والمغاربة يستحقون أكثر مما قدمه التقرير الختامي.

لا يكمن العطب في الشكل فقط، بل يتعداه إلى المنهج، فكيف يمكننا تصور استراتيجية جامعة ومحفزة دونما شعار حالم يشكل رسالة قوية وواضحة ومفهومة يعمل الجميع على تنزيلها خلال العقدين القادمين؟ أليس الهدف من وراء الزخم الذي سبق التقرير أن يتبنى كل المغاربة على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية وأوضاعهم الاجتماعية شعار المرحلة ويتشاركوا في رؤية موحدة لمستقبل المغرب؟ لكن المؤسف أن التقرير يُختزَل في جمل طويلة غير قادرة على حمل الرسالة المرجوة، بل الأدهى تسهم في إحباط الكثير من المتفائلين.

بخصوص المحتوى، وإن كنا رصدنا مقاطع تتحدث عن أهمية الديمقراطية ودور الأحزاب السياسية في إنجاح السياسات العمومية، ومقاطع أخرى تدعو إلى حماية الحريات الفردية وإلغاء “المناطق الرمادية” في التشريعات التي ترهن حرية المغاربة، فإننا نأسف لإغفال الديمقراطية واستقلال القضاء والحريات خاصة حرية التعبير، وإسقاطها من الأسس المحورية للنموذج التنموي إسوة بالتعليم والصحة. لقد أخلفت اللجنة موعدها التاريخي أمام المغاربة، ولم تظهر الشجاعة الكافية ومارست على نفسها رقابة ذاتية في تناولها لمواضيع الديمقراطية والحريات الفردية رغم توفرها على كل ضمانات حرية التصرف لإنجاز أشغالها.

في نفس السياق، وكحركة سياسية تتبنى الديمقراطية كغاية فضلى ومنهاج ممارسة للشأن العام، لا نملك سوى التحسر على خيار اللاتمركز الإداري الذي تبنته اللجنة، والذي يكرس وصاية الدولة المركزية على المجالات الترابية، ويعيق بروز مؤسسات تمثيلية محلية قوية ومسؤولة. إن اعتماد مفهوم “دولة قوية، مجتمع قوي” يثير المخاوف بخصوص تكريس توجه تنفيذي قد يصل إلى حد الهيمنة، والذي عززته المقاربة المعتمدة خلال فترة تدبير الأزمة الصحية، مما يعلي من قيمته مقارنة بالتوجه البرلماني. أيلزم التذكير أن الدولة القوية هي بالضرورة دولة ديمقراطية، وأن المجتمع القوي هو في الأصل مجتمع حر؟

على المستوى المجتمعي، كنا نأمل في حركة معا أن تطرح قضايا مركزية كالهوية ومرجعية القيم المشتركة بطريقة أكثر عمقا. إن سقف انتظارنا كان أعلى بخصوص الاختيار اللغوي الذي نصنفه في صلب مشاكل نظامنا التعليمي والتكويني، وأحد أسباب الانقسام المجتمعي. ونتساءل أيضا عن غياب النظرة الاستشرافية بخصوص التحولات البنيوية في المجتمع المغربي ومكانة الأسرة مع تصاعد الفردانية وفق أنماط العيش الحديثة. هل من الممكن تجاوز الخوض في مكانة الطفل والمرأة والأشخاص المسننين في بنية مجتمعية متأثرة بقيم متوارثة ونظرة مفتوحة على المستقبل؟ خلاصتنا أن تناول هذه القضايا المركزية غلب عليه الطابع التقني، وغاب عنه البعد الفلسفي الضروري.

لقد لاحظنا إغفال العلاقة السببية الملحوظة بين تطور الأداء الاقتصادي وبناء الثقة مع الفاعل السياسي، وهي علاقة تأكدت فصولها خلال حقبة التناوب الأول في نهاية القرن الماضي وبداية عهد الملك محمد السادس، كما تغاضى التقرير عن الحديث عن ضرورة تجديد النخب الاقتصادية والسياسية على حد السواء.

 في نفس سياق الإغفال، ورغم الحديث في مواضع كثيرة عن استدراك التأخر الرقمي، غير أننا نعجز عن فهم تغييب الثورة الرقمية الجذرية والذكاء الاصطناعي اللذان  يجمع المختصون على أثرهما اللامحدود على أنماط التعلم والإنتاج والاستهلاك والتنقل، وعن تغير مفهوم الزمن واختزاله فوق ما نتوقعه.

فيما يخص آليات التوزيع العادل للثروة ومحاربة اقتصاد الريع وتشجيع الاستثمار المنتج، نرصد تقزيم التقرير لدور السياسة الجبائية في تحقيق هذا الهدف وغياب مقترحات عملية تقوم الوضع القائم.

وأخيرا، كيف يمكن تجاوز قضية الصحراء واستكمال الوحدة الترابية في هذه الاستراتيجية الوطنية المراد بها توحيد الصف وراء نموذج تنموي يعبئ كل الطاقات ويساعد على إطلاق الدينامية المطلوبة لتحقيق أهدافه؟ كما نطرح نفس السؤال حول تغييب التحديات المستقبلية المتعلقة بالهجرة في أبعادها الأمنية وارتباطها بالتغيرات المناخية.

وبغض النظر على كل النواقص المرصودة والأسئلة المغفلة، كنا نأمل أكثر في استعمال خطاب موحد ومفهوم من جميع المغاربة دونما سقوط في السطحية وغياب العمق اللازم لطرح قضايا التنمية في جميع أبعادها. فكيف يمكن للمغاربة توفير الميزانية الدنيا المطلوبة  لتنزيل هذا المشروع، والتي تعادل وفق أرقام التقرير 4٪ من الناتج الداخلي الخام أي مجموع مداخيل الضريبة على الدخل المحصلة حاليا؟

وفي الختام، وفي سياق هذه الفرصة الفريدة لتشكيل مخيال جماعي نير، نأسف لتغليب المنطق التقنوقراطي الصرف على الأبعاد الفلسفية وحتمية تحقق التطلعات التنموية. من أجل كل ما سبق، وباعتبار ورش ميثاق التنمية المفتوح الذي نص التقرير على اعتباره موعد للتوافق والالتزام، تقترح حركة “معا” إطلاق مشروع تفكير جماعي لكل الديناميات المهتمة في أفق الانخراط المنصوص عليه في التقرير. بهذه المناسبة، ندعو في حركة معا كل من يتقاسم معا هَمَّ المساهمة في المشروع الإصلاحي إلى الانخراط الفعلي في هذا الجهد الجماعي التشاركي، لأننا نؤمن أن #معا_كلشي_ممكن.

حركة معا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى