كتاب الاراء

الدكتور الوردي يعطي تصورا لتعديل المادة الأولى من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 62.17 المتعلق باشتراط بند الإقامة لاكتساب صفة العضوية في الجماعات السلالية.

فار بريس د. سعيد الوردي

لم يحدد القانون رقم 62.17 المقصود بأعضاء الجماعات السلالية ، ولا الشروط اللازم توفرها لاكتساب هذه الصفة ، وهو الأمر الذي تكفل به مرسومه التطبيقي الذي تحدث في المادة الأولى منه على تحديد أعضاء الجماعة السلالية بنصه على أنه ” يتم إعداد وتحيين لوائح أعضاء الجماعات السلالية ، ذكورا وإناثا ، داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ الدعوة التي يوجهها كتابيا عامل العمالة أو الإقليم المعني إلى جماعات النواب ، تحت إشراف السلطة المحلية ، وذلك استنادا على المعايير التالية :

  • الانتساب للجماعة السلالية المعنية ؛
  • بلوغ سن الرشد القانونية ؛
  • الإقامة بالجماعة السلالية. …”

وفي ضوء هذه المادة يمكن القول بأن عضو الجماعة السلالية ، هو كل شخص توفرت فيه الشروط المذكورة أعلاه ، وتم تقييده في لائحة أعضاء الجماعة السلالية المصادق عليها من طرف عامل العمالة أو الإقليم.

وهذه المعايير لم تلقى أية معارضة من طرف السلاليين والسلاليات باستثناء المعيار المتعلق بالإقامة بالجماعة السلالية وهو معيار يقصد به أن يكون الفرد مقيما بتراب الجماعة السلالية لكي يكتسب صفة عضو بها ، فهو يفيد السكنى بتراب الجماعة السلالية، فلكي يكتسب أي فرد من الجماعة السلالية صفة عضو بها لا بد أن يكون مقيما بترابها.

وقد عبر العديد من المنتسبين والمنتسبات للجماعات السلالية عن رفضهم الشديد لهذا المعيار ، واعتبروه شرطا ظالما لأنه سيحرم الملايين منهم من حقهم في الاستفادة من أراضيهم وهو حق يكفله لهم الدستور والقانون ، بل أكثر من ذلك فمعيار الإقامة يجردهم من هويتهم ويقطع كل صلة لهم مع روابطهم التاريخية مع الأرض والأجداد. لذلك تم توقيع عريضة موجهة لرئيس الحكومة تطالبه بالتدخل لتعديل المرسوم وحذف شرط الإقامة.

ولمناقشة هذا الإشكال يجب وضعه في سياقه التاريخي من خلال الوقوف على أسبابه ومسبباته ، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار موجة الهجرة القروية التي انطلقت منذ فترة طويلة ، والإهمال الذي طال العالم القروي خلال حقبة معينة من الزمن ، وغيرها من العوامل التي أدت إلى هجرة ملايين الأشخاص من القرى إلى المدن ، بحثا عن غذ أفضل ، ومن ضمن هؤلاء ، عدد لا يستهان به من أبناء الجماعات السلالية المنتشرة في مختلف ربوع البلاد، فقد أصبح عددا مهما من السلاليين والسلاليات يقيم خارج تراب الجماعة السلالية.

واعتبارا للتطور الذي حصل في المجتمع في العقدين الأخيرين ، وللاهتمام الذي حظي به العالم القروي ، من خلال فك العزلة ، والربط بالماء والكهرباء ، إضافة إلى المزايا التي وفرها مخطط المغرب الأخضر ، فهي كلها أمور ساهمت في ظهور هجرة معاكسة من المدن إلى القرى. حيث أصبح كل مقيم بالمدينة يرغب في بناء مسكن بالبادية ، ومن الطبيعي أن كل شخص عندما يفكر في ذلك فهو يفكر في الرجوع إلى مسقط رأسه وإلى أرض أجداده ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة أراضي الجموع التي لا يمكن شراؤها ، فإنه بالتنصيص على هذا الشرط نكون قد حكمنا على الآلاف إن لم نقل الملايين من السلاليين والسلاليات بقطع علاقتهم مع جذورهم التاريخية ، مع ما يحمله ذلك من آلام ، لأنه ليس من السهل قطع علاقة إنسان مغربي قروي مع الأرض. لذلك أعتقد جازما بأن المرسوم التطبيقي لم يكن موفقا في إيراده لهذا الشرط هكذا مطلقا دون ضوابط ولا استثناءات. والذي به سنحرم الجندي والمعلم … من الرجوع إلى أرض أجداده بعد تقاعده ، ونحرم المهاجر خارج أرض الوطن من بناء بيت بين أهله وأفراد قبيلته … إلخ.

وانطلاقا مما سبق نتساءل عن أي موقف يجب على رئيس الحكومة أن يتخذه حيال عريضة المطالبة بإسقاط بند الإقامة ؟

وللجواب عن هذا السؤال نقول بأن هذا الشرط لا ينبغي قراءته بمعزل عن باقي مقتضيات القانون رقم 62.17 ومرسومه التطبيقي ، فطبقا للمادة 6 من هذا القانون فإن الانتفاع بأراضي الجماعة السلالية لا يكون إلا عن طريق الاستغلال الشخصي والمباشر ، كما أنه من شروط انتفاع عضو الجماعة السلالية من قطعة أرضية جماعية حسب المادة 16 من المرسوم نجد التزامه بممارسة الفلاحة بصفة مستمرة ومباشرة. ولذلك فإنه لا يمكن منح صفة عضو في الجماعة السلالية لأشخاص غير مقيمين دون تعديل باقي المقتضيات ما دام أن الإقامة خارج نفوذ الجماعة لا تسمح في غالب الأحيان بالاستغلال الشخصي والمباشر للأراضي الفلاحية.

لذلك نعتقد بأن هذا الشرط لا ينبغي حذفه بصفة كلية ، ولا الإبقاء عليه هكذا مطلقا، بل يجب التفكير في صيغة تسمح بتقليص سلبياته ، مع الحفاظ على إيجابياته.

وتتجلى سلبيات شرط الإقامة في فتح المجال للاستفادة أمام أشخاص قد لا تسمح لهم الظروف بالاستغلال المباشر للأراضي السلالية ، مما يدفع بعضهم لبيعها ، أو تركها هكذا بدون استغلال فتبقى عرضة للاعتداء والترامي عليها من طرف الأغيار. فضلا عن مزاحمة أشخاص لا يقطنون بالجماعة لأبناء الجماعة في الانتفاع بالأراضي والاستفادة من العائدات.أما إيجابيات إقرار هذا الشرط فتتجلى في كونه ينعكس بشكل إيجابي على وضعية أعضاء الجماعة المقيمين فعيا بترابها ، لأنها تتاح لهم ظروف أفضل وحظوظ أكبر في الانتفاع نتيجة عدم مضايقتهم من طرف من فقدوا شرط الإقامة الفعلية. ثم إن هذا الشرط يسمح بالاستغلال الفعلي للأراضي السلالية عوض حيازتها وتركها مجمدة على حالها مما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد ، أضف إلى ذلك أن استغلال الأراضي السلالية يقلل من فرص الترامي عليها من طرف الغير ، وكذا التنازل عنها وبيعها بطريقة غير قانونية.

وانطلاقا من ذلك نقول بأن الإبقاء على هذا الشرط يعتبر ضروريا ، لكن يجب أن يخضع لبعض التعديلات نقترح منها ما يلي:

  • التنصيص على الإقامة بتراب الإقليم الذي توجد به الجماعة السلالية عوض الإقامة بالجماعة السلالية : وهذا التنصيص سيسمح بتخفيض نسبة المشاكل المطروحة بسبب هذا الشرط ، لأن نسبة مهمة من أبناء الجماعة السلالية الذين يغادرون تراب الجماعة يستوطنون بالمدينة مقر العمالة ، كما أن هذا التنصيص لا يقتضي تغيير مواد باقي القوانين الأخرى ، لأن إقامة عضو الجماعة بنفوذ الإقليم لا يحول في الغالب دون تكفله بالاستغلال الشخصي والمباشر للأراضي الممنوحة له ، اعتبارا لعامل القرب ، حيث هناك العديد من الأشخاص يقيمون بالمدينة ويمارسون الفلاحة بالقرى المجاورة.
  • التنصيص على استثناء يتعلق بإمكانية استفادة أبناء الجماعة المقيمين خارج تراب الإقليم : فبعدما نخفض نسبة المشكل بناء على الاقتراح الأول ، نرى ضرورة التنصيص على استثناء يسمح لأبناء الجماعة المقيمين خارج تراب الإقليم باكتساب صفة عضو في الجماعة ، وذلك بناء على ضوابط ومعايير محددة يتم التنصيص عليها كاستمرار الروابط بينهم وبين الجماعة عن طريق الاحتفاظ بمنزل للسكنى بها أو التردد على منزل الأصول والمواظبة على زيارة الأهل والأقارب ، الاستمرار في حيازة واستغلال قطعة أرضية ممنوحة له من قبل ، المساهمة في التكاليف التي تتحملها الجماعة طبقا للأعراف المحلية … إلخ 

و نعتقد بأنه عن طريق هذا التنصيص ستتاح الفرصة لفئة عريضة ممن هم مقصيون الآن لاكتساب صفة عضو بالجماعة ، وستتم أيضا مسايرة الواقع ، لأن أغلب أعضاء الجماعة المتضررين من هذا الشرط هم المستوفين للشروط المقترحة ، أما فيما عدا ذلك ، فمن هاجر القبيلة وفتحت له آفاق مناسبة للعيش في منطقة أخرى ، ولم يحتفظ على هذه الروابط، فلا نرى مبررا لاحتجاجه ومطالبته باكتساب صفة العضوية في الجماعة. وهذه الاقتراحات نابعة من الواقع ومن شأن الاستجابة لها أن تخفف من حدة هذا الشرط إلى مستويات قياسية. لكن تنزيلها على أرض الواقع يجب أن يكون وفق مقاربة مبنية على الشفافية والموضوعية وأن لا تتخذ مطية لابتزاز أبناء الجماعة السلالية وتصفية الحسابات الشخصية بينهم وبين نواب الجماعة.

فالإبقاء على شرط الإقامة يعتبر ضروريا ، لأن اكتساب صفة عضو في الجماعة لا يخول فقط الانتفاع من الأراضي ، بل أيضا الانتفاع من توزيع العائدات والموارد المالية ، المساهمة في تدبير الأراضي السلالية والدفاع عنها عن طريق المشاركة في انتخاب نواب الجماعة ،  الترشح لشغل مهام نائب الجماعة السلالية ، فلا يمكن تبعا لذلك منح العضوية لشخص انقطعت علاقته المباشرة مع الجماعة ولم يعد يحمل همها ، ولا يمكن أن يظهر إلا بمناسبة توزيع العائدات والمنافع للتضييق على من ضحوا بكل شيء من أجل الاستمرار في البقاء فوق الأرض السلالية وخدمتها والدفاع عنها. لكن في المقابل لا ينبغي تجريد أبناء الجماعة من هويتهم السلالية رغم حرصهم على حفظ الروابط وأواصر الانتماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى