الرئيسيةكتاب الاراء

سيّدةُ العِشق

بقلم الروائي محمد نخال

فاجَأتْني في لحظة تأمُّل على أعْتاب البحر، وضعتْ يدها على رأسِي، وغرستْ أصابِعها الحَريرية بينَ خِصْلاتِ شَعْري، فانْتابَتْني رعْشة عَتِيّة، وطبعتْ على جَبيني قُبْلةً سَرمدية، أفْقَدتني تَوازُني، ورحلتْ بي إلى عوالم مُبْتلعة، ثم مالتْ علي، كما تميلُ شمسُ الغروب، على غيْمة ماطِرةٍ في أمْسية ساحِرة، وجَذبتْني إليها، فأصبحتُ كرضيع يحتَمي بحُضن أمّه، وهمستْ في أذُني بنغمةِ نايٍ حزِينٍ، يتشَبَّبُ في سَمْفونية العِشقِ الخَالِدة، وقالتْ وعلى شفتيها إبتسامة الأزهار :
جئتُكَ يا حبيبي، لأني أعلمُ أنَّكَ هُنا، لقد نادَتْنِي رُوحُكَ في أعْماق مشاعِري، فَلَبَّيْتُ النِّداءَ دُون ترَدُّد.
لَمَّا فتحْتُ عيْني في هَذا العالم، لمْ أرَ إلاَّ الظُّلمةَ، ولما عرفْتُكَ، أنار عِشقكَ دنياي، وعانَقَ الشوْقُ رُوحي الجَوْعانَةَ لِحبِّكَ فأَشْبعَها، وفتَح نافِدة فُؤادي المُوصَدَة، فدخل شُعاع الأمل إلى مُهْجتي فأضاءها.
لقد مَلَكْتَ قلباً قدَّسَهُ الحبُّ، وأصبحَ عقْلي أسِيراً في دهالِيزِ عشقِكَ الأكْبرِ.
غَزَوْتَ أحْلامي الوَردية، تَسَيَّدْتَ عواطِفي الجَيَّاشَة، وتربَّعتَ على عرشِ حُشاشَتي، فمنْ يستطيعُ أن يُفَرّقَ بيْننا، وقدْ عَقَدَ الوِدُّ بينَ قلْبَيْنا عَقْدا لا يَحُلُّهُ إلاَّ رَيْبُ المَنُون؟
إنِّي لأَخَالُ يا حَبيبي أنَّ لذَيْنا جسَداً واحِداً، تَسْرِي فيهِ رُوحٌ واحِدةٌ،
فإذا هزمَنِي البَرْدُ يا حبيبي، وجدْتُ مَلاذِي في وَكْرِ حُضْنِكَ الدّافِئ، وإذا استَوحشَتْ روحي، لن يحْلُوَ عيْشِي إلاَّ بِقُرْبِكَ.
أنا أسيرتُك وسَبِيَّتُك، أسَرَنِي حُبُّكَ الجارف في قفَصِ الهُيامِ، وذابَتْ رُوحي بِحنانِكَ الفَيَّاضِ، فأنتَ الغيمةُ الماطِرةُ التي اجْتاحَتْ حُقُولي القاحِلَة، ورَوَتْها عَطْفا وحنانا، فأيْنَعتْ من جدِيدٍ، وأنت نَدى الصباح المشرق، الذي فتح أزهارَ مُهجتي المُتيَّمةِ، وأزْهرَ رياحِينَ شوقي البَهِيَة، فما أسْعَدني بكَ يا حبيبي!
دعْكَ بِقُربي، فابتسامَتُكَ تمْنَحُني مَعْنَى الحياةِ، وإِشْراقَتُها تُنيرُ العتَمةَ القابِعة في أعْماقي.
إن حُبِّي لكَ يا سيّدي لا تَمْحُوهُ دمُوعُ الشّتاء، ولا يُفْزِعُهُ حُزنُ الخَريفِ، ولا تُذِيبُهُ حَرارةُ أغُسْطُس، بلْ يسْتَمِدُّ أسْرارهُ العُلْوِيةَ من إشْراقة الربيع الزَّاهِية. فإن مِتُّ يا حبِيبي، فدَعْهم ينْثُرُوا على هيْكَلِي الوُرُود، وَلْتَرْثِينِي عذْرَوَاتٌ مُوَرَّدَاتُ الخُدُودِ على أنْغام العُود، وَشَيِّدْ على قبْري شاهِداً، اُكْتُبُ عليه: هنا يَرْقُدُ رُفاتُ مَنْ كتبَ العِشْقُ اسْمَ حبِيبها على أبْوابِ قلبها بأحْرفٍ من حنانٍ، وشيَّدَ على أعْتابِ مُهْجتها صرْحَ غَرامه الأزلي.
هُنا تَرقُدُ سيِّدةُ العشْقِ الأبَدِيّ،.
فما أسْعدكَ يا حبيبي! وما أتعسَني، ولا عَزاء لقُساة القُلوب….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

error: Content is protected !!