وطنية

الإدارة العمومية و ثقافة العام طويل

فار بريس


أجبرتني الأقدار أن أواجه كابوسا حاولت جاهداً تجنبه و هو الإدارة العمومية، لأجد نفسي قبل نصف ساعة من فتح أبوابها آخذ الرقم 17 في أول شكل تناقضي أسميه تنظيم الفوضى، فإذا كان النظام تام لما اضطررت أنا و 16 قبلي الوصول باكراً؟
تجاوزت مدة الانتظار الساعة فالموظف تأخر لأسباب ما، و بعد بضعة دقائق من العمل المتثائب بشرنا رجل الأمن أن النظام المعلوماتي قد توقف دون إضافات. لتبدأ فترة انتظار غير محددة في جو بارد جداً، فالإجراءات فرضت حتى على كبار السن الوقوف خارج جدران الإدارة الدافئة. و بعد إلحاح الناس نطق رجل الأمن بلسان ربما كل الإدارات العمومية ذات ثقافة العام طويل :”اللي مزروب يمشي”. واقع نبه إليه جلالة الملك قبل سنوات، لكنك تنادي ميتاً هذا ما أكده التقرير الأخير مؤسسة الوسيط المرفوع لجلالته حيث أشار لاتساع الهوة بين المواطن و الإدارة و تزايد شكاوي المواطنين و تذمرهم منها، و حتى مع رقمنة بعض الخدمات إلا أنها ضلت بعيدة عن تحسين الجودة.
أتاحت لي مدة الساعة و النصف الإضافية في انتظار إصلاح النظام المعلوماتي تبادل أطراف الحديث مع المنتظرين لأتساءل: كم كلفة هذا الانتظار على الاقتصاد الوطني؟ هناك هدر لثلاث ساعات من عمل سائق أجرة و دراسة طالب و نصف يوم عمل موظف أو عامل و حتى نصف يوم من إجازة. لست خبيراً اقتصادياً لكنني متأكد أن الكلفة باهظة مادياً و نفسياً.
صحيح أننا شعب “صبار” لكننا شعب و يستحق إدارة مواطنة تحترمه و ليس غول يخافه و يتجنبه. و كملاحظة على جنب قال أحد المنتظرين مازحاً: لو أننا أمام مؤسسة خاصة لقضينا مآربنا منذ زمن. لأسأله: أين المشكل إذن؟ فيجيبني ضاحكاً و غامزاً: فينا.

محمد علمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى