فاربريس
✍️ د. فؤاد هراجة
باحث في الفلسفة والأخلاق
يتزامن شهر رمضان الفضيل هذه السنة مع موجة غلاء غير مسبوقة على الإطلاق، وهو ما يضع الأسر المعوزة والواقعة تحت خط الفقر في أزمة مضاعفة. لكن تعودنا في كل رمضان أن تبعث نفحاته كل قيم ومظاهر الكرم والإحسان في المجتمعات الإسلامية، حيث تجد الناس فرادى وجماعات يتنافسون على فعل الخير وسد حاجيات المعوزين، ما يبعث في نفوس هؤلاء الأمن على قُوتِهم وإستبشارهم بقدوم رمضان. غير أن تزايد نسبة الفقراء والمساكين بشكل مطرد يجعل من الفقر آفة مجتمعية وليس مجرد ثغرات يمكن سدها عن طريق العمل الإحساني التطوعي. فعندما يصبح الفقر بنية اجتماعية وقاعدة واسعة في الهرم الاجتماعي يصبح العمل الإحساني كالمرهم على السرطان. ويزداد طين الفقر بلة عندما تنخرط الدولة من أعلى سلطتها في أعمال الخير والإحسان الرمضانية وغير الرمضانية، فهي بذلك تقر بفشلها على منحيين؛
المنحى الأول، كونها تتبنى سياسة طبقية تنعدم فيها أدنى شروط العدالة الاجتماعية، أي سياسة تنتج الفقر والبؤس.
المنحى الثاني، كونها اختارت طريقا خاطئا لمحاربة الفقر، فمسؤولية الدولة السهر على أمن المواطنين في كل المجالات وعلى رأسها الأمن الغذائي، كما أن من مسؤوليتها تحقيق المساواة بين المواطنين وحفظ كرامتهم، ما يستوجب تمكينهم من الحد الأدنى للأجور الذي يحفظ ماء وجههم عوض تلويث هذا الماء بالذل والمسكنة أمام الكاميرات مقابل قفة لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن اقتران موجة الغلاء باتساع دائرة الفقر في المجتمعات العربية والإسلامية هذه السنة، يجعل من العمل الإحساني التطوعي في شهر رمضان محدود التأثير وفاقد القدرة على تغطية حاجيات وضروريات الأسر المعوزة والأفراد المحتاجين، ما يدعونا إلى جعل شهر رمضان محطة للوقوف على مكامن الخلل في السياسات العامة للدولة ودق ناقوس الخطر لأن التاريخ علمنا أن فراغ البطون يؤدي إلى انفجارات اجتماعية لا تبقي ولا تذر.
ومع ذلك، فإن ما تبذله الهيئات والمنظمات والمؤسسات غير الحكومية والأشخاص سيبقى له وقعه على المحتاجين وإن في دائرة ضيقة. ثم لا ننسى الأهمية الكبرى التي أصبحت تكتسيها وسائل التواصل الاجتماعي في التحسيس بوضعية المعوزين، وتنظيم حملات لجمع التبرعات العينية والمالية لهم وهو ما أضحى يقلق بعض السلطات في بعض الدول، رغم أنه يغطي عن بعض فشلهم السياسي.
فضلا عن كل ما سبق، سيبقى رمضان متنفسا لكل الأسر المعوزة التي أصبحت تنتظره بفارغ الصبر، لماذا؟ لأنها تتلقى خلاله حاجياتها المعيشية، وتشعر أن ثمة مجهودات جبارة وكثيفة تبذل من أجلها، وأنها في هذا الشهر الفضيل تنتقل من الهامش إلى محور الاهتمام، ما يشعرها بالاحتضان الاجتماعي المفقود طوال السنة، وما يجعلها تتمنى لو كان العام كله رمضان. فمتى ستقوم الدولة بوظيفتها في تحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس المساواة وحفظ كرامة المواطن ، حتى تبقى وظيفة العمل الإحساني التطوعي سد ما تبقى من الثغرات، وليس إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر مركب صغير لا يتسع لملايين الغرقى في بحر الفقر.