فاربريس
اشتكى العديد من التلاميذ وأولياء أمورهم وحتى بعض أساتذة
الشعب العلمية من صعوبة مادتي الفيزياء والرياضيات بالامتحان الوطني لنيل شهادة الباكالوريا لهذه السنة،وبكى من بكى وغضب من غضب من هول ما رأى وما سمع،وكان اليومان الأولان كيوم القيامة من قوة الصدمة،الكل في حزن عميق ويتجرع مرارة هذه النكسة التي عمت الجميع إلا من رحم الله
أين يكمن الخلل؟

فأين يكمن الخلل إذن بعد هذا الذي جرى،أفي الوزارة المعنية بمفتشيها وأطرها التربوية مع كامل الاحترام والتقدير لهم لمجهوداتهم الجبارة أم بسبب تسريبات حصلت حسب ما يروج أم في طول وصعوبة المقرر الدراسي أم في مستوى التحصيل العلمي للتلاميذ أم في دخول الهاتف الخلوي وما يحمل معه من مواقع التواصل الاجتماعي ومضامينها الهابطة وغرف الدردشة كطرف في هذه القضية المصيرية بالنسبة للأبناء والآباء وللوطن ككل؟
من الواضح إذن أن هذه الصعوبة التي حضرت هذه السنة لم تكن متوقعة بالنظر إلى السنوات الماضية القريبة منا خاصة في زمن تفشي كورونا،لكن السؤال المطروح بإلحاح هنا،لماذا لم تفكر الوزارة المعنية في مصير هذا النصف مليون من المترشحات والمترشحين وربما ليس فيهم من في حجم ألبيرت إنشتاين و بوان كاري وفيثاغورس حتى يحلوا العقد ويفكوا الألغاز الرياضية التي هي أكبر من مستواهم المعرفي،كلا بل منهم من ستقوده هذه الأزمة إلى ما لا يحمد عقباه،إلى قوارب الموت أو إلى الانسحاب كليا من شيء اسمه التعليم أو إلى البحث عن مهنة غير آمنة بقطاع غير مهيكل أو إلى تناول ممنوعات أو إلى بوابة العلاج النفساني الطويل الأمد،وأولياء أمورهم لن يجروا إلا أذيال الخيبة بعد هذا الذي جرى
ولاشك أن هيمنة الهاتف الخلوي مقابل خروج الكتاب الورقي من عالم التلميذ قد قلص كثيرا من فرص الحرص على التعلم العميق والتحصيل الغني بالمعلومات والمهارات،لتأثير تلك التكنولوجيا المتقدمة على العقل والوجدان رغم أهميتها الحياتية اليومية ،لكننا لا يمكن أن نغفل أيضا ما طرأ على منهاج البكالوريا العلمية خلال السنوات الفارطة وما يتضمنه من طول للمقررات الدراسية وغلبة الكم على الكيف في معظم الأحوال
الآباء والأبناء والأساتذة في سلة التضحيات العارمة
تضحيات جمة
لا ينكر أحد حجم التضحيات المادية والمعنوية التي يبذلها الآباء والأمهات والأبناء وكذا الأساتذة خلال التحضير السنوي لهذه الشهادة الوطنية العالمية،وكلهم أمل في أن يصبحوا على مستقبل زاهر للأبناء،فكم من الأموال صرفت على ساعات المراجعة اليومية والتي تخرج تباعا من ميزانية الأسر في وقت غلا فيها كل شيء وكم من جهد نفسي وبدني بذل من طرف كل هؤلاء،لنقف في نهاية المطاف على صدمة صعوبة امتحان نزل كالصاعقة على الرؤوس دون احتساب العواقب من شر هذا الحدث المؤلم جدا لفلذات الأكباد ولذويهم وأساتذتهم
هل خدمات التعليم العمومي تدهورت في السنوات الماضية ؟
عودة هنا بالمناسبة إلى مذكرة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط برسم 2021 رصدت -حسب ما أوردته أمال كنين بموقع هسبريس- تراجعا كبيرا مقارنة بالسنة الماضية في قطاعات حياتية متعددة، منها قطاع التعليم، حيث اعترفت الأسر موضوع الدراسة والبحث استمرار تدهور خدمات التعليم. إذ سجل التقرير انتقال رصيد مؤشر التراجع من ناقص 29 نقطة سنة 2020 إلى 35.4 نقطة سنة 2021
وأكد حوالي نصف الأسر المغربية تدهور نظام التعليم خلال الربع الأخير من سنة 2021. يأتي ذلك تزامنا مع محاولات الحكومة الحالية إصلاح الأعطاب من خلال عدة مشاريع (منهجية التوظيف الجديدة، تعميم التعليم الأولي..)
وفي هذا الإطار، عدد سعيد لعريض، فاعل تربوي وباحث في قضايا التربية والتعليم، أسباب فشل التعليم، قائلا إن من بينها “غياب إرادة سياسية لدى الفاعل السياسي للنهوض بقطاع التعليم، سيما أنه يتوفر على جميع الإمكانات المادية والمالية والصلاحيات الدستورية لتحسين جودته”
ومن بين الأسباب التي ذكرها الخبير التربوي “عدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة أن القطاع شهد تبذيرا ماليا كان موضوع تقرير إدريس جطو”
كما رصد الباحث ذاته “عدم رصد منجزات وإيجابيات برامج وزارية سابقة، وتجاوز سلبياتها في أفق إنتاج رؤية تعليمية موحدة تكون قادرة على الخروج من الأزمة”، و”عدم إشراك الفاعل التربوي، وفي مقدمته الأستاذ، مفتاح تنزيل تلك الرؤية على أرض الواقع التعليمي”
كذلك انتقد “غياب ثقافة إشراك جمعيات مهنية تابعة للوزارة، وجمعيات المجتمع المدني التي تتقاسم والوزارة الهم التربوي، مما يفوت فرص الانطلاقة الصحيحة، وبلورة مشاريع تربوية حقيقية قادرة على النهوض بالقطاع”
وأضاف الخبير التربوي، في تصريح للموقع، أن مذكرة المندوبية “لم تمدنا بأسباب هذا التطور المهول والتراجع الكبير في مؤشرات تدهور خدمات التعليم، حتى تستكمل الرؤية عندنا ونخرج بحكم موحد عن أزمة التعليم”
وتابع قائلا: “ما يُعاب على التقارير المحلية أنها تبقى حبيسة أدراج الوزارة الوصية على القطاع والمؤسسات التي أسندت إليها مهمة التقويم وتقييم برامج ومناهج التربية والتعليم. ويكون الهدف هو إبراز عورة قطاع التعليم دون اقتراحات عملية للنهوض به. ويبقى إصلاحه لا يبارح مكانه، بل يتراجع دون ملامسة أسباب أزمته الحقيقية، ويكون شعار الحكومات المتعاقبة على إصلاح التعليم: كلما دخلت أمة لعنت أختها”
وسجل لعريض أن “أزمة التعليم بالمغرب تعترف بها جميع التقارير الدولية والوطنية، لكن دون إيجاد الوصفة الحقيقية لتجاوز اختلالاته التربوية والإدارية والمالية”
المغرب وجودة التعليم
كشف مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى العالمي في دافوس سنة 2021 عن تدني ترتيب أغلب الدول العربية في مجال جودة التعليم، على أن سنغافورة تتصدر الترتيب العالمي في المركز الأول، تليها سويسرا، وفنلندا في الصف الثالث. فيما المغرب رتب في التصنيف الواحد بعد المائة (101) عالميا، والتاسع عربيا من بين 13 دولة عربية
وبحسب ما نشره المنتدى العالمي، فإن قطر هي الأولى عربيا باحتلالها المركز الرابع في التصنيف العالمي، فيما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية الرتبة الثامنة عشرة، مسبوقة بالدانمارك ومتبوعة بالسويد، فيما صنفت ألمانيا في التربة العشرين.
وجاء ترتيب فرنسا في التربة الثانية والعشرين واليابان في الرتبة الحادية والثلاثين متبوعة بأستراليا، فيما حلت إسبانيا في المرتبة السابعة والربعين. وجاءت تركيا في المرتبة الخامسة والتسعين
وتعد قطر الأولى عربيا والرابعة عالميا، تليها الإمارات العربية المتحدة في المرتبة العاشرة، ولبنان في المرتبة الخامسة والعشرين، ثم البحرين في الرتبة الثالثة والثلاثين، والأردن في الرتبة الخامسة والأربعين، والمملكة العربية السعودية في الرتبة الرابعة والخمسين من بين 140 دولة شملها مؤشر الجودة
واحتلت مصر المرتبة 139، وهو المركز الأخير في التصنيف العالمي من مجموع 140 دولة شملها المؤشر
واعتبر مؤشر الجودة أن كلا من ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن والصومال دولا غير مصنفة، مادام أنها لا تتوفر فيها أبسط معايير الجودة في التعليم
ويستند ترتيب الدول في تقرير التنافسية العالمية إلى مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي، ويتم احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 فئة أساسية تضم “المؤسسات”، و”الابتكار”، و”بيئة الاقتصاد الكلي”، والصحة والتعليم الأساسي”، والتعليم الجامعي والتدريب”، وكفاءة أسواق السلع”، وكفاءة سوق العمل”، وتطوير سوق المال”، و”الجاهزية التكنولوجية”، وحجم السوق”، وتطور الأعمال والابتكار”
بالباك أو بدونه قد ينجح الإنسان
لا أفهم إذن كيف بمثل هذه الصعوبات والعقبات،يمكن أن يحرم جيل اليوم من الرغبة في استكمال الدراسة الجامعية ،ومنهم من ذاق مرارة العذاب وسهر الليالي الطوال قبل أن يترشح لها.ففي أمريكا رائدة العلم والمعرفة في العالم اليوم ،لا يشترطون سنا محددة للولوج إلى الجامعة ،فقد وجدت في زياراتي إلى هناك سبعينيا يتزاحم مع أبنائه وحفيده كطالب جامعي وهو جد سعيد بينهم ،لكن بالمقابل ،نجد الكثير من المشاهير والعلماء والأدباء لم يسعفهم الحظ في تجاوز هذه العقبة، ومنهم الأديب العالمي فيكتور هيجو أو هوجو الذي يقال أنه رسب ثمان مرات في امتحان نهاية التعليم الثانوي ، وكانت عزيمته أقوى من صخور البحر والبر ، حتى بلغت شهرته الآفاق وأضحى مرجعا للجامعيين والدكاترة ومنهم زعماء دول ورؤساء أحزاب في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا ،لم يحصلوا على البكالوريا .فلا يشبع المرء إذن من وقل ربي زدني علما
وقد نشرت مجلة “كلوزر” الفرنسية لائحة تتضمن أسماء عدد من المشاهير الذين لم يحصلوا على تلك الشهادة أصلا
وعلى رأسهم يظهر الكوميدي الفرنسي المغربي جمال الدبوز، الذي وبالرغم من أنه لم يتابع تحصيله العلمي، فهو اليوم يعد من المشاهير ومن نجوم الفن في فرنسا والعالم
وذكرت المجلة أن الدبوز كان يكره المدرسة لكنه بالمقابل تمكن من بناء مستقبله بعيدا عنها، والأكيد أن الكثيرين يحسدونه على ما وصل إليه. كذلك هو الأمر مع لاعب كرة القدم الشهير الفرنسي الجزائري زين الدين زيدان، الذي فشل بدوره في نيل شهادة البكالوريا في فرنسا
حكم وأقوال عن منافع وآفاق التعليم
الاستثمار في المعرفة يحقق أفضل عائد.
بنيامين فرانكلين
التعليم ليس إعدادًا للحياة… بل هو الحياة نفسها!
جون ديوي
التعليم هو جواز السفر للمستقبل، فإن الغد ينتمى لأولئك الذين يعدون له اليوم.
مالكوم إكس
التعليم هو ما يتبقى للشخص بعدما ينسى ما تعلمه في المدرسة.
ألبرت أينشتاين
المعرفة قوة، المعلومات تحرير، التعليم بداية التقدم، في كل مجتمع، وفي كل عائلة.
كوفي أنان
جذور التعليم مُرة، لكن الثمار حُلوة.
أرسطو
كل من يتوقف عن التعلم فهو كهل، ولا يهم إن كان في العشرين أو في الثمانين من عمره، بينما كل من لا ينفك يتعلم يظل شابًا.
هنري فورد
عبدالفتاح المنطري
كاتب صحافي