فن وثقافة

قصة قصيرة بعنوان : موت و حسرة وتراكم غبار كوفيد على كتفيه فاثقله.

فار بريس / عبد الرزاق الفلق

تزحزح من مكانه عله ينفض بعضا منه …..كانت الشمس توشك على الاشراق لولا عتمة الغيوم ، احس بدفئها يتسلل الى اطرافه….استل من جيبه بعض الدريهمات ونادى على ابنه عساه يجلب بعض الخبز والنعناع.ترجل الابن الى دكان البقالة المجاور للبيت….طلب الخبز من سي احمد ذلك الرجل الخمسيني الذي تشرق ابتسامته كل ما زاره زبون…غير انه اليوم يشعر بأفولها لما يخيم عليه من ثقل الديون وازدحام اسماء المقترضين، لم ينتبه الابن الى حال البقال شغلته الحلوى المعروضة هناك، لكن صوت السي احمد كان اكثر اختراقا حين سأله عن والده وطلب منه ان يخبره بضرورة الاداء فالجائحة انهكت قواه وعرت رفوف الدكان. فتحت الام الباب ليتسرب الغالي الى الداخل وهو ينادي:- بابا قالك السي احمد البقال دوز خلصوا راه محتاج لفلوس.تسمر ابا علال مكانه وكأن جبلا هوى عليه وغير ملامحه، رمقته زوجته امي خديجة وتبسمت في وجهه وقالت:- شدا وتزول ….دابا يفاجيها ربي .قام ابا علال من مكانه وهو يجر اطرافه المتثاقلة ويعد خطاه نحو الباب التي اضحت بعيدة المنال، لم يسمع صوت زوجته وهي تدعوه للافطار … اقفل الباب ورحل.في ركن من الزقاق، وقف ….استل سيجارة واخد ينفث دخانها بكل ما اوتي من قوة ، والافكار تتلاطم وتنكسر على جدار الواقع…..كيف اصبح بهذا الحال؟ كيف لهذا الفيروس اللعين ان يسلبه عمله وهيبته ووقاره؟ هو الذي كان يمشي بعزة وشموخ أصبح كاهله مثقل بالديون….لم يكن محظوظا لينال حقة من صندوق كوفيد ،رب العمل سرحه من عمله دون تعويض مثله مثل الكثيرين الذين فقدوا مورد رزقهم.هي تساؤلات كانت تزدحم في تفكيره وتلاحقه وخطواته تلتهم الطريق فرارا….فجأة استوقفه صوت ينادي:-ابا علال وا با علال …الله يدهينا بالله.التفت فكان صديقه سي ادريس يجلس بالشارع المقابل وهو يلوح بيده ، اتجه نحوه.- السلام عليكم ،قال ابا علال.- ما تسلم علي ما نسلم عليك رد سي ادريس.- اعتلت ابتسامة ذابلة على محيا ابا علال ،لكنها لم تخفي حقيقة ما بداخله وتنهد قائلا:- ايه علا وقت اللي حتى السلام ولا ممنوع ….الله يحفظ.باغته سي ادريس: – وا كيف داير مع هاذ المصيبة.- المصيبة هي اللي حنا فيها .وكانت لحظة عابرة تقاسم فيها الصديقان مرارة العيش وشهد الذكريات. غادر ابا علال المكان مودعا صديقه وهو يجتر مرارة الوضع ويحمل الدولة مسؤولية ما ال اليه حاله لأنها لم تستطع انصافه ،فهي تسن القوانين ولا تكثرت للضعفاء ولحالهم. فمن يرفل في النعم لا علم له بما تعانيه الطبقة الكادحة.لم تكن حالة ابا علال الوحيدة بل هي حالة الصناع التقليديين وارباب المطاعم والمقاهي والعاملين بالفنادق ودور الضيافة وغيرهم كثير ممن اصبح الفقر تاجهم والانتحار خلاصهم.لم يتخيل ابا علال يوما ان هذه الجائحة ستربك كل اوراقه وتغير نظرة الاهل والاحباب….بل الغريب في الامر انه احس بمحيطه العائلي يتغير هو بدوره رويدا رويدا كل ما نقص المال وازداد تأزما ،فزوجته تلكم التي كانت سنده ودرعة لتصدي لضربات الدهر أصبحت ابرة تخزه في كل مرة :- اسيدي انا عييت ما نرقع ونديباني ….لا فلوس لا مأونة ……أش هاذ العيشة؟- وا راك عارفة الزمان او ما فيه …. واش انا كرهت …الخدمة قليلة والبيبان تسدوا فوجهي والسلف اقتلني …وجهي ولا حديدة….نطرت اليه امي خديجة (فهي بدورها لم تسلم من مخلفات كوفيد ،هي التي كانت تعمل كل ما في وسعها لإسعاد الاسرة ولو من قليل تجد نفسها تدير بيتا ينخره الدود وتعصره الحاجة) وقالت في غضب:- وقتاش شفنا معاك الخير، ديما معيشنا فالزلط ودابا زادتنا هاد المصيبة ، قالك لالة زينة وزادها نور الحمام.- ا الله خديجة …وديك تمارا لي كنت تنضرب فين مشات…. واش ما عقلتي على والو.- علاش غدي نعقل….شبابي ضيعتو معاك …هزيت وعييت ….شوفلك شي حل …انت الراجل فهاذ الدار…ما كان من ابا علال الا ان حمل جسده النحيف على رجليه وارتحل يجوب المسافات ويطوي الطريق عله يجد ما يسد به رمق اسرته المنكوبة…وفي كل مرة كان يشعر بوخزة في قلبه …فيقول في نفسه انه الثعب وقلة الشي.عاد الى المنزل، وضع ما جادت به الحياة فوق الطاولة ، وتوجه الى غرفة النوم ليجد زوجته امي خديجة تخرج ملابسه وهي تقول :كلها وينعس فبلاصة معندي ماندير …. انا عيت من كولشي بغيت نرتاح …تسمر ابا علال في مكانه هو يعصر انفاسه ويقاوم ذاك الوحش الكاسر بداخلة ….حمل امتعته وتوجه الى الغرفة المجاورة …. ارتمى في حضن السرير وقلبه ينفث الدم وكأنه قطار فائق السرعة…..لم تكن حالة ابا علال الا نموذجا قد يتقاطع او يتشابه مع العديد من الناس في زمن الجائحة…..فهو على الاقل لم يقدم على وضع حد لحياته بالشنق او التردي من الأعلى ، فقد فوض امره لله واسلم جسده للفراش عله يحظى ببعض الراحة وان كانت صعبة المنال.عاد الغالي من المدرسة وهو يبحث عن ما يشبع به جوعه، قالت له امي خديجة :- اطلب من اباك لفلوس باش تشري الخبز.وبحس طفولي وشقاوة دخل وهو ينادي:بابا ….بابا …ليجد ابا علال ممددا على الارض بلا حراك….لم تكن الا صرخة واحدة من امي خديجة ادانة بفراق ابدي وبحسرة شديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!