نجاح تنزيل الحكم الذاتي ضمان العدالة والتمثيل لجميع شرائح المجتمع الصحراوي

مدير الموقع18 أبريل 2025آخر تحديث :
نجاح تنزيل الحكم الذاتي ضمان العدالة والتمثيل لجميع شرائح المجتمع الصحراوي

جلال دحموني

في ظل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية تبرز مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 كخيار واقعي ومتقدم، يعكس نضجا سياسيا واستشرافا استراتيجيا لحل دائم في إطار احترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية
هذه المبادرة لم تكن مجرد رد فعل دبلوماسي ظرفي بل جاءت تتويجا لقراءة عميقة لتاريخ المنطقة وتركيبتها القبلية والاجتماعية والثقافية وتجسيدا لروابط البيعة التاريخية التي تجمع سكان الصحراء بالعرش العلوي المجيد.
غير أن نجاح مشروع الحكم الذاتي لا يُختزل في حجم الدعم الدولي المتزايد ولا في الإرادة السياسية الرسمية فحسب بل يتوقف أيضا على قدرته الفعلية على تحقيق العدالة الاجتماعية والتمثيلية وتجاوز منطق التوريث السياسي والاحتكار العائلي الذي ظل لعقود عائقا أمام تطلعات فئات واسعة من المجتمع الصحراوي فقد شهدت الأقاليم الجنوبية تركيزا واضحا لمراكز القرار في أيدي نخب محددة احتكرت المشهد السياسي والاقتصادي وأعادت توزيع الأدوار والمناصب بين أفراد الأسرة الواحدة في تنافٍ واضح مع مبدأي الكفاءة والاستحقاق.
هذا الوضع يضرب في العمق روح مشروع الحكم الذاتي الذي يفترض أن يؤسس لمرحلة جديدة من التدبير الديمقراطي التشاركي، تشرك جميع القبائل والفروع والشرائح المجتمعية دون إقصاء أو تمييز فالصحراء ليست كيانا قبليا مغلقا بل فضاء اجتماعيا متنوعا وغنيا يحتاج إلى عدالة حقيقية في التمثيل وضمان مشاركة فعلية لكافة المكونات ولا سيما الشباب والنساء وأبناء القبيلة و الفخذ والعرش والخيمة، ممن لم تتح لهم فرص عادلة.
إن تمركز القرار في يد قلة من العائلات وتوارث المناصب بين الأبناء والأصهار والزوجات داخل نفس القبيلة أو “الفخذ” أو “العرش” يقوّض أسس الديمقراطية المحلية ويفرغ مشروع الحكم الذاتي من مضمونه إذا لم يُواكب بإصلاح عميق في العقليات وآليات التسيير.
ولا يمكن تجاوز البنية القبلية المركبة في الصحراء التي تقوم على تسلسل اجتماعي مترابط يبدأ بـ”القبيلة” ثم “الفخذ” كأصغر وحدة نسبية يليه “العرش” الذي يضم مجموعة من الفروع المتقاربة ويتفرع من “العرش” عدد من الفروع تُعرف باسم الخيمة او “أهل فلان” وهي وحدات اجتماعية تنحدر من جد مشترك وتضم عددًا كبيرًا من الأسر المتقاربة في النسب والانتماء وتشكل “أهل” امتدادًا نسبيًا داخل العرش وتُعد إطارًا مرجعيًا لترابط العائلات وتوزيع الأدوار ضمن الفخذ.
هذه البنية ليست مجرد هياكل شكلية بل لها تأثير مباشر على أنماط التمثيل واتخاذ القرار ويجب التعامل معها بمسؤولية لضمان توازنات اجتماعية عادلة إلا أن بعض الممارسات حولت هذه البنية إلى أداة للإقصاء من خلال تقزيم التمثيلية في فخذ أو خيمة نافذة أو داخل أسرة استغلت موقعها لبناء ثرواتها على حساب القضية الوطنية وعلى حساب بقية القبائل والعائدين إلى أرض الوطن ففي الوقت الذي يرزح فيه عشرات الشباب من مختلف القبائل والفروع تحت وطأة البطالة والتهميش تستحوذ أسماء معدودة على امتيازات القرار والثروة باسم الشرعية التمثيلية
من هنا تبرز الحاجة الملحة لإعادة الاعتبار للتنوع الداخلي للقبائل الصحراوية وضمان مشاركة منصفة وعادلة في المبادرات الوطنية الكبرى وعلى رأسها مشروع الحكم الذاتي بما يعزز الانخراط الجماعي في تدبير الشأن المحلي ويقطع مع منطق التوريث والاستئثار بالقرار.
إن القبيلة في أصلها التاريخي بُنيت على قيم الشورى والتكامل لا على الإقصاء والهيمنة وحين يُقصى أبناء الفخذ أو العرش أو الخيمة من مواقع القرار فإن ذلك لا يُقوّض فقط مصداقية مشروع الحكم الذاتي بل يهدد السلم الاجتماعي ويُغذي انفصالا صامتا داخل النسيج المجتمعي الصحراوي
نحن اليوم أمام لحظة حاسمة تتطلب شجاعة سياسية ومجتمعية لمراجعة آليات التمثيلية القبلية وفتح المجال أمام كفاءات جديدة خصوصا من شباب القبائل غير الممثلين باعتبارهم الركيزة الأساسية لبناء مستقبل الأقاليم الجنوبية هؤلاء الشباب بما يمتلكونه من وعي وقدرات يجب ألا يُقصوا لمجرد أنهم لا ينتمون إلى “الخيمة النافذة” أو “العرش المسيطر” بل ينبغي تمكينهم من أدوار قيادية حقيقية تضمن انتقالًا سليمًا نحو نموذج جهوي متوازن ومتجدد.
إن الرؤية المغربية لحل النزاع المفتعل لا تكتمل دون القطع مع منطق المحسوبية والريع السياسي وتكريس ثقافة الإنصاف والمشاركة الشاملة التي تُعطي لكل صحراوي موقعه المستحق، وتصنع من مشروع الحكم الذاتي خيارا وطنيًا جماعيًا لا مجرد امتياز لنخبة ضيقة تحتكر القرار والثروة باسم الولاء أو القرب من السلطة.
وعليه فإن الحكم الذاتي ليس فقط مقترحا سياسيا عقلانيا بل هو فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقة الثقة بين الدولة والقبائل الصحراوية كافة دون استثناء أو تمييز على أساس العدالة والإنصاف والانفتاح في ظل مغرب موحد قوي بتعدده وغني بكفاءاته وعادل في تمثيليته تحت القيادة الرشيدة والرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

الاخبار العاجلة