فاربريس
أهم النقاط الواردة في كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، في الجلسة الافتتاحية لأشغال المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية، المنظم من قبل مجلس المستشارين بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يوم 21 فبراير 2023

- يقع الاستثمار في الرأسمال البشري في قَلْبِ العدالة الاجتماعية، والمنتدى يناقش إشكاليةً تَقَعُ في صُلْبِ الأَجَنْدَةِ الوطنية.
- جعلَ جلالة الملك محمد السادس نصره الله، منذ اعتلائه العرش، من التنميةِ البشرية والاستثمار في الإنسان، وصيانة الحقوق الإنسانية الأساسية، وإعطائِها مدلولًا اقتصاديًا واجتماعيا، في مقدمةِ اهتماماتِ جلالته. والمبادرةُ الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقَهَا جلالة الملك منذُ مايُو 2005، بِمُنْجَزِها وثمارِها تُعتَبرُ، بِرَأْيِ كُلِّ مراقبٍ موضوعي، واحدةً من السِّياساتِ التي تَطبعُ عهدَ صاحبِ الجلالة.
- أثْبَتَتْ الممارساتُ والتجاربُ التاريخية أَنَّ مَا مِنْ أُمَّةٍ نَهَضَتْ وتقدمتْ دونَ أن تَضَعَ في صُلْبِ رِهَانَاتِها الإنسان، ودونَ أن تستثمرَ في الرأْسمال البشري تعليمًا وتثقيفًا وتكوينًا وترفيهًا، ومن حيثُ توفيرُ الخدماتُ الاجتماعية بالجودة المطلوبة.
- التمكينُ الاقتصادي والاجتماعي للإنسان والشُّغل المُدِرُّ للدخل، والمُطَمْئِنُ على المستقبل، هو مَا يُيَسِّرُ مشاركة الفرد في التنميةِ والإنتاجِ، وفي تدبيرِ الشأن العام، مع ما لذلك من أفضَالَ على الاستقرارِ الاجتماعِي وعلى تعزيزِ البناءِ المؤسساتِي في إطارِ دولةٍ ترْعَى الحقوقَ وتَحْرِصُ على الواجبات.
- أسَّس المغرب نموذجَه المُجْتَمَعِي على التَّضَامنِ والتَّكافلِ والاهتمامِ بالإنسان، وهو النموذجُ الذي يَتَقَوَّى وتَتَسَارَعُ وَتِيرَةُ إنجازِه وتَتَعَدَّدُ مَدَاخِلُهُ منذ أكثرَ من عِقْدَيْنِ من الزمن برعايةٍ ملكيةٍ متواصلةٍ، تَصَوُّرًا وإِعْمالًا في الميدان.
- تعد المبادرةُ الوطنيةُ للتنميةِ البشريةِ عُنْوانًا بارزًا للنموذجِ المُجْتَمعي المغربي، إِذْ تَتَوَجَّهُ بمشارِيعِها وَتُعَبِّئُ إِمْكَانِيَاتِها لمُحاربةِ الهَشَاشَةِ وتَيْسِيرِ التَّمَدْرُسِ، وخاصةً تَمَدْرُسُ الفَتَيَاتِ في الوسطِ القروي، وتأطيرِ مبادراتِ الاقتصادِ الاجتماعِي والتضامُني المُدِرِّ للدَّخْلِ، وتوفيرِ الماءِ الصالحِ للشرب في العالم القروي، وبِنَاءِ وتَدْبِيرِ مؤسساتِ الرعايةِ الاجتماعية وإعادةِ الإدماجِ، والتكوينِ والتدريب.
- نجح المغرب في مأسَسَةً التدخلاتِ العمومية في الخدماتِ الاجتماعية، عبر توفيرِ التغطيةِ الصحية لأزيدَ من 23 مليون فردٍ، يستفيدونَ من هذَا النظامِ بشكلٍ مُمَأسَسٍ ومُنَظَّمِ يَكْفُل الخدمةَ العموميةَ الصحيةَ في إطارِ ضوابطَ قانونيةٍ عصريةٍ.
- إن التغطية الصحية كمنجز يَتَطَلَّبُ اعتماداتٍ ماليةٍ، ومواردَ بشريةٍ وبِنْيَاتٍ وتجهيزاتٍ أساسيةٍ، وعلينَا أن نُقَدِّرَهُ حَقَّ قَدْرِه، ونَعْتَزَّ به خاصةً بالنظرِ للسياقِ الذي تَحَقَّقَ فيه، سياقُ الحروبِ والأزماتِ الدولية المتتاليةِ مع كل تَدَاعِياتِها المعروفة. إن الأمرَ يتعلقُ في المقام الأول بِوَرْشٍ مَلَكِيٍ، علينَا مواصلةُ التعبئةِ الجماعيةِ في جميعِ المؤسساتِ، ومن مختلف مواقعِ المسؤولية، على ترسيخِهِ وتَجْوِيدِه وجَعْلِ المُوَاطِنِ يَلْمَسُ أَجْرَأَتَهُ.
- الأمرَ يتعلقُ بثورة هادئةٍ في العرض الصحي والتَّغطية الصحية ببلادنا، وبمشروعٍ يُكَرِّسُ التضامن والتعاضد والتماسك الاجتماعي، ويعطي للحق في الصحة معناه الملموس، ومن شأنه أن يُحَسِّنَ من مؤشرات الخدمة الصحية وَيُحْدِثَ تغييراتٍ إيجابية في علاقة المواطن بالمرفق العمومي.
- ينبغي بذل جهد وتنفيذ سياساتٍ عموميةً، وتوفير إمكانياتٍ ماليةٍ وبشريةٍ وتجهيزاتٍ لنكْسِبَ الرِهَان الاستراتيجي، أي تحقيقُ دولةِ الرعايةِ الاجتماعية.
- طُمُوحُنَا الجماعي هو بناءُ الفردِ المُتَشَبِّتِ بِقِيَمِه الوطنية، المُنْفَتَحِ على العالمِ، والمُدَافِعِ عن مؤسساته، المشاركِ في تدبيرِ الشأنِ العام، والمُسْتَقِلِّ في تفكيرِه والمُتَّخِذِ لِقَرَارَاتِه عن اقتناعٍ وعن وعيٍ. وفي عالمٍ مفتوحٍ، زَالَتْ فيه كل الحدود الفكرية، بفضل تكنولوجيا المعلومات، تتعرضُ القِيَمُ الإيجابية للطَّمْسِ أحيانًا أو التهجين أحيانا أخرى، بسبب ما يَغْمُرها من أَخبارٍ مُضَلِّلَةٍ ومعلوماتٍ زائفةٍ.
- لقد ازدهرت خطاباتُ الاِنْطِوَاءِ والتعصبِ، وَرَفْضِ الآخر، والتطرف، والنزعات الانعزالية. وتلك ظاهرةٌ عالميةٌ لا يَسْلَمُ منها، لَرُبَّمَا، أَيُّ مجتمع. وهنا تُطْرَحُ مسألةُ اسْتِبْطَانِ القيم الاجتماعية الإيجابية، قِيَمُ الانتماءِ للوطن، والتَّضَامُنِ والتَّعَاضُدِ، والإنتاجِ والعملِ والمبادرةِ والابتكارِ والتنافُسِ الشريف، والاستحقاقِ، وعَدَمِ الاتِّكَالية. وهي قيم مُتَأَصِّلَةً في المغرب، وينبغي تمجيدُها واستعادَتُها في علاقاتِنا ومعامَلاتنا.
- علينا أن نستثمرَ في السياساتِ العمومية وفي الفضاءاتِ والقنواتِ التي تُنْتِجُ هذه القيم وتُكَرِّسُها وتَنْشُرُها، وهذا استثمار “استراتيجي، مُنْتِج”، في العنصر البشري. ويتعلقُ الأمرُ بالاستثمارِ في التَّربيةِ والتكوينِ والتعليمِ والثقافةِ والابتكارِ، أي في المدرسة والثانوية والجامعة والبحث العلمي.
- ينبغي أن يكونَ للإنفاقِ العمومِي على قطاعِ التربية والتكوين، الأثرُ الملموس المتوخَى على تحسُّنِ المؤشراتِ المتعلقةِ بالقطاع. وإذا رَبِحْنَا هذا الرهانَ باستعادةِ الدورِ المركزي للمدرسة والجامعة في المجتمع، وفي بَنْيَنَة القيم، فَسَنَجْنِي بالتأكيد، نتائجَ إيجابيةً في مجموعِ القطاعات.
- على الأسرة استعادةِ دَوْرِها المركزي في التَّنْشِئَةِ والتربيةِ على روحِ “تمغربيت” وَجَوْهَرُهَا الانضباطُ والوفاءُ والاحترامُ والاجتهادُ، وربطُ الحَقِّ بالواجبِ.
- إن وسائلِ الإعلامِ والتواصل، المفروضِ فيها تأطيرُ النقاشِ العمومي والاسهامُ في ترسيخِ الوعي الوطني وتكريسُ الاختلاف وبناءُ الشخصيةِ الوطنية.
- نحن مُطَالبُونَ اليومَ، وباستعجالٍ، بالوقوفِ عند استعمالاتِ التكنولوجيات الجديدة في التواصل، ومِنْ حَيْثُ المحتوياتُ والخطاباتُ، ومن حيثُ توظيفُ التكنولوجيا في الإدارة والحياة العامة.
- مطالبونَ بالوقوفِ المُتَأَنِّي عند ما يَتِمُّ اسْتِهْلَاكُه من محتويات، خاصةً من جانب شبابنا. ولعل في الرأي الذي أصدرَه مؤخرا المجلسُ الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأنِ الأخبارِ الزائفة، وفي الدراسة السوسيولوجية التي أنجزَها مجلسُ النوابِ مؤخرًا حولَ القيم، ما يُنَبِّهُ ويَدُقُّ ناقوسَ الخطر ويَسْتَعْجِلُنا لِاعْتِمَادِ ما يَلْزَمُ من سياساتٍ وتشريعاتٍ، من أجل عَكْسِ التَّوجهاتِ السلبية في ما يرجع إلى هذين الحَقْلَيْن، بالتحفيزِ على الاستعمالات الإيجابية لتكنولوجيا التواصل.
- علينَا تعزيزُ التَّعَلُّقِ بِقِيَمِنَا المغربية المشتركة، المُتَأَصِّلَةِ، والمفتُوحةِ على العالمِ وثقافاتِه. وهو ما يُشَكِّلُ الأرضيةَ الأساس، والركيزةَ المتينة لوحدتنا واِلْتِفَافِنا حول ثَوَابتِنَا الوطنية ومؤسساتِنَا.
- 20. لا بد للتعلق بالقيم المغربية المشتركة من دَّعَامَاتِ ماديةِ التي بدونِها لن تُكتَبَ له، لَا الاستِدَامَةُ ولا الرُّسُوخُ. لذلك، فإنَّ كفالةَ الحقوقِ والقيمِ المنصوصِ عليها في دستورِ المملكة، وهي جِدُّ متقدمة، تَظَلُّ ورشًا مفتوحًا للتجويدِ والتوسيعِ والترسيخ والتسريع.
- 21. من الضروري التمكينِ للنساء وكفالةُ حُقُوقِهِنَّ انطلاقًا من رهانِ المساواةِ والإنصافِ والاستقلالية، وإدماجهن في الديناميات الاقتصادية والاجتماعية، وتَيْسِيرُ مشاركتهن في المسؤولياتِ العمومية، التَّمْثِيليةِ والتنفيذية ؛ فلا معنى لاستمرارِ تعطيلِ جزءٍ أساسيٍ من المجتمع.
- الاستثمارَ في الإنسانِ هو استثمارٌ في المستقبل، فإن الاستثمارَ في الشبابِ هوَ من المسؤولياتِ العموميةِ التي علينَا في جميعِ المؤسساتِ والسُّلَطِ اسْتِحْضَارَهُ وجَعْلَه إلْتقائيًا في السياساتِ العمومية، وفي التخطيط لها، وفي تنفيذِها وفي الاستفادةِ منها، وذلك من أجل إشاعةِ الأمل في المستقبل، ودَرْءِ الإِحباط، وجعلِ الشباب مبادرًا إلى المقاولة والانتاج.
- لا يجب إهمالَ النساء والرجال الذين ساهموا في بناء مغرب اليوم، أي العجائز والشيوخ والكهول الذين يَنْبَغِي حِفْظُ كرامتِهِمْ ورعايتهم. فالأمرُ يتعلقُ بِوَاجِبٍ دينيٍ ومجتمعيٍ وأخلاقي، عِلمًا بأن الرعايةَ الأسريةَ للآباءِ والأمهاتِ تظلُّ من شِيَمِ المغاربة التي لا ينبغي التفريطُ فيها.
- يجب الحرصُ على التضامنِ المجالِي، وعلى العدالةِ المجالية؛ فالتقدمُ الذي يُحَقِّقُهُ المغربُ ينبغِي أن يكونَ عَائِدُه الاجتماعي والمجالي شَامِلًا لِمَجْموعِ جهاتِ المملكة تعزيزا للتماسك الاجتماعي والترابي في إطار نَسَقٍ يُحِسُّ الجميع فيه بأنه جزءٌ منه، واجباتٍ وحقوقًا.
- نجحت بلادُنا بقيادةِ ملوكِها الثلاثة في انتزاع الاستقلال الوطني بفضل كفاح مَريرٍ، هو اليوم نموذجٌ يُدَرَّسُ في العالم، ثُمَّ في بناءِ المؤسسات وتحقيقِ نموذَجِها الديموقراطي المؤسساتي، بالموازاة مع تحقيقِ نجاحاتٍ كبرى في مجالِ التجهيزات الأساسية من سدودٍ وطرقَ وموانئَ ومطاراتٍ، وفي مجالِ الخدمات الأساسية، من كهرباءٍ وماءٍ شَرُوبٍ وصحةٍ وتعليم.
- إنَّ صيانةَ النموذج المغربي، وتَطْوِيرَه، رهينٌ بمَدَى تَمَلُّكِه من طرفِ الجميع، وبِمَدَى شعورِ المغاربة بأنه يُمَثِّلُهُمْ ويُفِيدُهُم ويستجيبُ لطموحاتِهم وتطلعاتِهم. ومِنْ هُنَا أهميةُ الاستثمارِ في المواردِ البشرية.
- إن التفاوتَ الكبيرَ في إيقاعاتِ التنمية قَدْ لا يُسْعِفُ في تحقيقِ التماسكِ الاجتماعي المُتَوَخَّى. ومن هنا ضرورةُ العدالةِ المجالية المؤطرةِ والمُتَمَفْصِلَةِ مع العدالة الاجتماعية.
- أثبتتْ بعض الأحداثِ الفَارِقَةِ بأنَّ بلادَنا تتوفرُ على طاقاتٍ هائلة. ولعلَّ آخر نموذج من ذلك ما حققته بلادُنا بقيادةِ صاحب الجلالة نصره الله الحَصِيفَةِ والاستباقية في مواجهة جائحة “كوفيد 19” ؛ وما حققه الفريقُ الوطني المغربي لكرة القدم في كأسِ العالم في قطر ؛ حيث أبْهَرَ المغاربة، لاَعِبِينَ وجمهورًا، العالمَ بأداءٍ قَلَّ نظيرُه.
- يُثْبِتُ المغاربةُ في الخارج، على أن أرضَ المغربِ وَلَّادَةٌ للكفاءاتِ والمهاراتِ العالية. هذه بعض نجاحاتِ الرأسمال البشري المغربي، الذي لا يَسْتَغْرِبُ لها إلَّا من تُثِيرُ حُنْقَه، ومن يَسْتَكْثِرُ علينَا حَقَّنَا غيرَ القَابِلِ للتصرفِ في التقدمِ والدَّمَقْرَطة والتَّمَوْقُعِ الدولي متناسيًا أننا الأمةُ التي واجهت عبر التاريخ أَعْتَى الامبراطورياتِ لِيَبْقَى المغرب دولةً عريقةً بخصوصياتِها المُتَفَرِّدَة.