
سعيد بندهيبة
في إطار تخليد الذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، شهدت قاعة الاجتماعات بعمالة إقليم بوجدور، يوم الاثنين 19 ماي 2025، على الساعة الحادية عشرة صباحًا، تنظيم لقاء تواصلي متميز تحت شعار
“عشرون سنة في خدمة التنمية البشرية”، بحضور السيد عامل الإقليم، إلى جانب عدد من المسؤولين المحليين وممثلي المصالح الخارجية، والهيئات المنتخبة، وفعاليات المجتمع المدني، والمستفيدين من برامج ومشاريع المبادرة. وقد شكل هذا اللقاء لحظة قوية لاستعراض المنجزات، وتقييم أثر هذا الورش الملكي الكبير على الواقع الاجتماعي والاقتصادي بالإقليم. استُهل اللقاء بكلمة افتتاحية ألقاها السيد عامل الإقليم، نوه من خلالها بالتحولات التنموية التي شهدها إقليم بوجدور خلال العقدين الأخيرين بفضل تفعيل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مبرزًا أن المبادرة شكلت رافعة حقيقية لمحاربة الفقر والهشاشة، وتحسين ظروف عيش الساكنة، وتعزيز مقومات التماسك الاجتماعي. وشدد على ضرورة الحفاظ على المكتسبات المحققة وتوسيع آفاق العمل التنموي وفق رؤية شمولية ترتكز على الاستثمار في الإنسان كخيار استراتيجي. عقب ذلك، قدم رئيس قسم العمل الاجتماعي عرضًا مفصلًا حول حصيلة المبادرة خلال الفترة الممتدة من 2005 إلى 2025، حيث أشار إلى أن مجموع الاستثمارات بلغت 269 مليون درهم، ساهمت فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بنسبة 64%، بينما تكفل الشركاء بنسبة 36%، مما يعكس نجاعة مقاربة الشراكة والتكامل في تمويل المشاريع. وسلط العرض الضوء على الإنجازات النوعية في مختلف المحاور، إذ ساهمت المبادرة في تقليص نسبة الفقر متعدد الأبعاد من 15% سنة 2014 إلى 4% فقط سنة 2024، مستفيدة من تنفيذ حوالي 900 مشروع، بلغ عدد المستفيدين منها 214 ألف مواطن، بمعدل سنوي بلغ 10,440 مستفيد. وفي المجال الاجتماعي، سجلت المؤشرات تحسنًا ملحوظًا، حيث انخفض معدل سوء التغذية لدى الأطفال إلى 0.12%، وتراجعت أمية النساء من 29.2% إلى 21.7%. كما عرفت البنية التحتية تحسنًا كبيرًا، إذ ارتفع معدل ربط المنازل بالكهرباء إلى 100%، بينما قفز الربط بشبكة الماء الصالح للشرب من 33% إلى 93.7%. وعلى المستوى الاقتصادي، ركزت نسبة 64% من المشاريع على دعم الأنشطة المدرة للدخل، مما أتاح فرصًا واعدة للتشغيل ورفع مستويات الدخل، لاسيما في الوسط القروي، فيما خُصصت نسبة 12.4% لدعم الفئات الهشة، من ضمنها الأشخاص ذوو الإعاقة والنساء في وضعية صعبة. وأبرز العرض أيضًا أن توزيع المشاريع شمل مختلف الملحقات الإدارية بالإقليم، مع تركيز خاص على المناطق القروية التي استفادت من 60% من التدخلات، في خطوة ساهمت في تقليص الفوارق المجالية وتعزيز العدالة الاجتماعية. وتخلل اللقاء عرض روبرتاج وثائقي بعنوان “عشرون سنة في خدمة التنمية البشرية”، استعرض أبرز المحطات والمشاريع المنجزة بالإقليم، وتلاه شريط تحفيزي بعنوان “نساء الصمود” وثّق لقصص نجاح نسائية ملهمة في مجال التمكين الاقتصادي والمقاولة الذاتية، قبل أن يُعرض شريط “شباب اختاروا الطريق”، الذي نقل تجارب شبابية ناجحة تجاوزت الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية بفضل مواكبة برامج المبادرة. كما تضمن البرنامج شهادات مؤثرة من طرف المستفيدين من مشاريع المبادرة، عبّروا من خلالها عن امتنانهم لهذه الدينامية التنموية التي غيّرت حياتهم وفتحت أمامهم آفاقًا جديدة للتطور والاندماج. واختتم اللقاء بتوزيع شواهد تقديرية وجوائز رمزية على عدد من الجمعيات والشباب والفاعلين الذين ساهموا في إنجاح مسار المبادرة بالإقليم. مباشرة بعد ذلك، انتقل الوفد الرسمي إلى ساحة العمالة، حيث افتتح معرض المبادرة تحت شعار “تجارب ناجحة، رؤى متجددة”، والذي ضم أروقة متنوعة تعكس غنى وتنوع التدخلات المنجزة، من بينها أروقة المراكز الاجتماعية، التي عرضت تدخلات قطاع التعاون الوطني والشباب والصحة في دعم الفئات الهشة، وأروقة المراكز التربوية التي ركزت على مشاريع دعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي، إضافة إلى أروقة المشاريع المدرة للدخل، التي قدّمت نماذج حية لمقاولات صغيرة ناجحة ساهمت في تحسين دخل الأسر وخلق فرص شغل محلية. وقد شكل هذا المعرض فضاءً مفتوحًا للتفاعل المباشر مع الفاعلين والمستفيدين، وفرصة لعرض حصيلة عشرين سنة من الإنجاز والابتكار في خدمة المواطن. واختُتم هذا اليوم الاحتفالي بتنظيم حفل شاي على شرف الحضور، في جو يطبعه الاعتزاز الجماعي بما تحقق، والتطلع المشترك نحو مستقبل تنموي أكثر إشراقًا، يؤمن بالإنسان ويستثمر في طاقاته، من أجل بناء مجتمع أكثر عدالة وتماسكًا واستدامة.