ماهو مستقبل قطاع الصناعة التقليدية ومنتجاته ما بعد زمن كورونا؟
جلال دحموني /
رئيس جمعية المستقبل لتجار وحرفيي فاس العتيقة
مما لا ريب فيه أن جائحة كورونا شلّت مجمل الاقتصاديات وألحقت بها أضرارا جسيمة، وفي صدارتها الاقتصاد غير المهيكل خصوصا قطاع الصناعة التقليدية الذي تم إغلاق ورشاته الصناعية ومحلاته التجارية تطبيقا لقانون الحجر الصحي لمواجهة انتشار وتمدد فيروس كورونا، وهو ما سيؤثر بطريقة أو أخرى على العاملين بهذا القطاع.
ولابد أيضا أن أستحضر في السياق أن ثمة درسا مهما فيه جوانب إيجابية أثبت قوة وقدرة قطاع الصناعة التقليدية في زمن جائحة كورونا،ومن جملة هذه الإيجابيات أنه بفضل هذا القطاع استطاعت الدولة الحصول على الكمامات الوقائية في الوقت الذي وجدت فيه مراكز علمية متخصصة في علم الأوبئة ومنشآت كبرى، نفسها عاجزة على صناعة الكمامات، ونفس الشيء حصل بدولة موريطانيا التي أعلنت حكومتها أنها تمكنت من الحصول على الكمامات بفضل قطاع صناعتها التقليدية والجزائر أيضا.
لذلك يجب من الآن أن نعيد النظر في هذا القطاع وإدراجه ضمن القطاعات الحيوية والاستراتيجية وأن يحظى بالمكانة التي تليق به كقطاع حيوي سيادي لأنه فرضها بقوة في عز أزمة كورونا التي شلت اقتصاديات العالم كله ،وأن تلتفت إليه الوزارة الوصية والمجالس المنتخبة بنوع من الجدية وتدعيمه بجميع أشكال الدعم والمساعدة وهيكلته لكي تكون له القدرة على المساهمة في خلق الثروة الوطنية وامتصاص البطالة وخلق البضاعة المحلية بالشكل التي تكون لها القدرة على مواجهة التنافسية والدخول إلى الأسواق العالمية لجلب العملة الصعبة.
وإذا كانت أزمة كورونا أرخت بضلالها وتداعياتها على الوضع الاقتصادي بالمملكة المغربية وتحديدا القطاعات غير المهيكلة التي يعتبر قطاع الصناعة التقليدية والبزارات الصغيرة والمتوسطة في صدارتها، فإن جلالة الملك محمد السادس حفظه الله أوكل للدولة من خلال لجنة اليقظة الاقتصادية ضرورة الاهتمام بهذا القطاع واتخاذ كافة التدابير الاقتصادية للتخفيف من الاعباء المالية لأرباب أسر الصناع التقليديين وتجار منتجاتها وأصحاب البزارات الصغيرة والمتوسطة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن جلالة الملك يدرك جيدا وزن هذا القطاع داخل الاقتصاد الوطني ووزنه في تزويد السوق السياحي بالمنتجات المغربية المحلية ومن ثمة وزنه في خلق الثروة الوطنية وجلب العملة الصعبة.
واستلهاما من دروس جائحة كورونا، أعتقد أنه أصبح من الأولية بمكان التسريع بتنزيل القانون رقم 50.17 المتعلق بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية الذي يتضمن مقتضيات قانونية مهمة ومكتسبات إيجابية لفائدة الأسرة العاملة في قطاع الصناعة التقليدية وبزاراتها بما في ذلك التغطية الصحية والاجتماعية .
ووعيا منا بحساسية المرحلة التي تمر منها بلادنا التي ساهمت في الرفع من منسوب الوعي بأهمية المنتوج المحلي، فإن الوزارة الوصية على القطاع، وأقصد وزرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى وبشكل إلحاحي بنهج مقاربة تشاركية مع كافة الفاعلين والمهنيين والصناع التقليديين وجمعياتهم المهنية وتعاونياتهم لأجل دراسة خارطة العمل ما بعد كورونا ولأجل بلورة رؤية مشتركة لبناء أسس متينة لهذا القطاع وتوفير الدعم المالي والتقني والفني لكل المقاولات الناشئة والمقاولين الذاتيين لكي يتمكنوا من استنهاض قطاعهم من جديد ووضعه على سكة الاقلاع الصحية خصوصا وأنه تأثر تأثُّرا كبيرا بسب جائحة كورونا على خلفية الإغلاق التام لجميع محلات الحرفيين والمهنيين وتجار منتجاته طيلة مدة الحجر الصحي، وبالنظر إلى ارتباطه بقطاع السياحة الذي بدوره عرف ركودا حقيقيا في هذه الظرفية.
خلاصة القول، إن استنهاض قطاع الصناعة التقليدية يجب أن يتأسس على رؤية جديدة في إطار مقاربة تشاركية تلبي طموحات كل العاملين به والسير في اتجاه هيكلته من خلال تنزيل القانون رقم 50.17 وتقديم الدعم والتمويل للمقاولات الذاتية والصغيرة التي تشتغل في هذا القطاع أو على الأقل تسهيل مسطرة القروض البنكية لها وتنزيل أسعار فائدتها ،كما أصبح من الضرورة بمكان أن تقوم المجالس المنتخبة بالتفاتة خاصة حيال العاملين بهذا القطاع، لأنها في آخر المطاف ستكون هي الطرف الرابح، لأن دعم قطاع الصناعة التقليدية والعاملين به سيساهم في امتصاص البطالة والرفع من منسوب الضرائب المستخلصة من القطاع والمساهمة في توفير حاجيات زبناء القطاع السياحي، وهذا بدوره سيساهم في الرفع من منسوب الوعاء الجبائي والمساهمة في خلق الثروة المحلية والوطنية علاوة على تعزيز قدرة منتجات القطاع على مواجهة التنافسية واختراق الأسواق العالمية.