جمعياتسياسة

فار بريس

كلمة الأخ الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل

في الندوة العـلـمـية حول موضوع :
“مدونة الشغل بين النص القانوني والتطبيق الفعلي”

بــســم الله الــرحــمــن الــرحــيــم

السيد رئيس الحكومة،

السيد وزير الشغل و الإدماج المهني،

السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض،

السيد رئيس الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب،

بداية أشكركم باسم الاتحاد المغربي للشغل على دعوتنا للمشاركة في أشغال هذه الندوة العلمية المتعلقة بموضوع يهم عالم الشغل بحضور خبراء وأساتذة متخصصين حول موضوع “مدونةالشغل بين النصالقانونيو التطبيق الفعلي” وهو الموضوع الذي ما فتئنا نتساءل، ونسائل الحكومة بشأنه، مطالبين بتقييم موضوعي لمدى تطبيق واحترام مقتضيات مدونة الشغل، فبقدر الأهمية البالغة للموضوع إلا أن توقيت هذا اللقاء يثير العديد من الاستفهامات :

فكيف نتساءل عن تطبيق مدونة الشغل والعديد من مقتضياتها أصبحت مجمدة بفعل الأزمة أو تحت ذريعتها أي أزمة كوفيد 19 ؟ حيث كانت لها تداعيات صحية على كافة الشعب المغربي في ظل محدودية منظومتنا الصحية، حصدت أكثر من 2000 من الأرواح من بينهم العاملات والعمال المرابطين في الخطوط الأمامية.
كيف يمكن لنا أن نتساءل عن تطبيق مدونة الشغل وقد كانت لهذه الأزمة آثار اقتصادية واجتماعية وخيمة على عموم الجماهير الشعبية ؟ وعلى رأسهم العاملات والعمال وعموم الأجراء نتيجة الركود والشلل الاقتصادي، الذي لحق بشكل أكبر مجموعة من القطاعات المشغلة لليد العاملة.
كيف يمكن أن نتساءل عن تطبيق مدونة الشغل وأعدادا مهمة من العاملات والعمال فقدوا مناصب عملهم ؟ وبالتالي مورد رزقهم، بسبب التسريحات الجماعية حيث ما يقارب 600 ألف أجير توقفوا عن العمل بمعدل 10.000 عامل يتم فصلهم يوميا عن العمل حسب آخر التقارير الرسمية، إنها وضعية مأساوية من المتوقع أن تزداد معها المشاكل الاجتماعية تفاقما : من بطالة وفقر وهشاشة أمام غياب حماية اجتماعية، وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية. إنه تأكيد آخر على حقيقة هشاشة الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، وجشع السياسات النيوبرالية المتوحشة.
إننا في الاتحادالمغربيللشغل الرمز التاريخي للكفاح العمالي، ندرك بوعي وطني، دقة وحساسية هذه المرحلة التاريخية. واكراهاتها على كل المستويات. ونأمل أن تعتبرها الحكومة فرصة لمراجعةمقارباتها لكل الإشكالات الهيكلية، وأن تشكل هذه الظرفية العصيبة فرصة لبناء وحدة الصف الوطني. وإعادة الاعتبار لأجراء والعمال باعتبارهم قوة العمل والإنتاج وشريك أساسي في رفع هذا التحدي عبر المشاركة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم إجابات بديلة لحل الإشكالات البنيوية.

فرصة لكي تتحمل الحكومة مسؤوليتها في حماية عموم الأجراء، والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها الحق في الحفاظ على مناصب الشغل، وضمان قوتهم اليومي، وخلق تعويض عن فقدان الشغل لائق للأجراء الذين زُج بهم في الشارع دون تعويض.

لكن رغم المجهودات التي بذلت لمواجهة التداعيات في إطار صندوق التضامن كالتعويض عن جزء من الدخل، إلا أن تدبير الأزمة من الناحية الاجتماعية، فيما يخص عالم الشغل، لم يتم التعامل معه بالمسؤولية اللازمة، بل الأنكى من ذلك تم استغلال هذه الظرفية العصيبة لمحاولة تمرير كل القوانين المجحفة في حق الطبقة العاملة في غياب تام للمقاربة التشاركية وفي مقدمتها القوانين التراجعية المتمثلة في مشروع القانون التكبيلي لحق الإضراب ومشروع القانون التكميمي للنقابات المهنية.

كما وجدها بعض أرباب العمل فرصة سانحة لمواصلة الانتهاكات السافرة للحريات النقابية وإغلاق المقاولات والوحدات الإنتاجية، وهضم الحقوق وطرد الأجراء من العمل تحت ذريعة كوفيد 19، أمام الموقف المتفرج للحكومة، مما دفع الاتحاد المغربي للشغل إلى الإعلان عن حملة وطنية للاحتجاج والاستنكار من 20 شتنبر إلى 20 أكتوبر 2020.

كل هذا دفعنا للتساؤل عن الدوافع الحقيقية لتنظيم هذا اليوم الدراسي في هذه الظرفية الاستثنائية حول مدونة الشغل ؟

حيث يتبين من خلال المحاور المتضمنة في برنامج هذا اليوم الدراسي أن هناك توجيه ضمني لاستنتاج خلاصات وتوصيات ستركز على ضعف مدونة الشغل، وعدم قدرتها على الاستجابة لمثل هذه الظرفية. وبالتالي الدعوى إلى ضرورة مراجعتها لإدخال الهشاشة في

عالم الشغل وشرعنة الفصل عن العمل تحت يافطة ما سمي بالمرونة هذه الكلمة الحلوة في النطق والمرة في تأثيرها على أوضاع عدد كبير من العاملات والعمال.

وهنا لا بد من التذكير بأن مدونة الشغل التي فرضها التطور التاريخي والاجتماعي والاقتصادي في بلادنا، وفي مرحلة تاريخية دقيقة تميزت باعتماد منهجية توافقية واسعة، في إطار حوار اجتماعي مسؤول وحقيقي. نفتخر ونعتز في الاتحاد المغربي للشغل كوننا سنة 2003 ساهمنا وبقوة في إخراج مدونة شغل عصرية ومتوازنة ومتكاملة كانت منظمتنا قوة اقتراحية في صياغتها، بحيث ديباجة المدونة كانت من اقتراح الاتحاد المغربي للشغل، مدونة جامعة ومانعة تحفظ حقوق ومكتسبات العمال، وتراعي مصلحة المقاولة. وبالتالي الاقتصاد الوطني على رأسها التشغيل وتحفيز الاستثمار المنتج للثروة ولمناصب الشغل، وفق معايير العمل الدولية، واتفاقيات منظمة العمل الدولية. حيث شكلت مدونة الشغل تمرة للحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف، وأصبحت وثيقة مرجعية متقدمة ونموذج يحتذى به على المستوى العربي والإفريقي في مجال التشريع الاجتماعي.

لكن بيت القصيد هو ما مدى تفعيل مقتضيات المدونة.

فقد أكد الواقع غياب الإرادة السياسية في تطبيق مضامينها علما أن جزء منها لا يكلف المقاولات أي ميزانية.

ويكفي أن أعطي ثلاث نماذج على علة التطبيق :

غياب لجان حفظ الصحة والسلامة المهنية في أغلب المقاولات رغم إلزاميتها، إذ 26 % فقط منها تتوفر على هذه اللجن على الرغم من أهميتها وهو ما أكدته مواجهة هذه الأزمة الصحية مع انتشار البئر المهنية ؛
غياب لجان المقاولة في العديد من المؤسسات، علما أن لها دورا كبيرا في مأسسة الحوار ومواكبة المقاولة، وأنها لا تكلف هذه الآليات المؤسساتية والقانونية أية ميزانية من طرف المقاولة ؛
حوالي 35 % من الإضرابات المندلعة راجعة إلى عدم احترام مقتضيات مدونة الشغل.
إننا نعتبر في الاتحاد المغربي للشغل أن مدونة الشغل حد أدنى (SMIG Social)للحقوق العمالية المضمونة والملزمة لبلادنا دوليا ووطنيا. وإننا بإمكاننا تطوير والرقي بالعلاقات الشغلية من خلال اعتماد سياسة تعاقدية عبر الاتفاقيات الجماعية، كما هو الشأن في تجارب رائدة في مجموعة من الدول.

هذه الاتفاقات التعاقدية التي تراعي خصوصية كل قطاع والطبيعة الخاصة للمقاولة والتي لطالما نادى الاتحاد المغربي للشغل باعتمادها كآلية فعالة في تنظيم العلاقة الشغلية وتجاوز النزاعات الفردية والجماعية.،

لا شك أن تداعيات الأزمة عرضت نسيجنا الاقتصادي لما يسمى بصعوبة المقاولة، إلا أن الأجراء وهم الحلقة الضعيفة لا يجب تحميلهم كلفة هذه التداعيات. ومن تم ضرورة البحث عن حلول أخرى متوافق بشأنها لمواجهة الازمة دون أضرار اجتماعية.

إن الاتحاد المغربي للشغل سيبقى منفتحا على كل الاقتراحات والمبادرات التي من شأنها التخفيف من الازمة في إطار المقاربة التشاركية والحوار الاجتماعي الممأسس والبناء الذي يراعي الحقوق الاجتماعية للأجراء وفي احترام تام لمعايير العمل الدولية.

كما يدعو الاتحاد المغربي للشغل الحكومة إلى خلق وتفعيل كل الآليات القانونية والتنظيمية

في إطار الحوار المسؤول، وفي جو وطني توافقي، التي من شأنها المساهمة بشكل فعال وإيجابي في تجاوز هذه المحنة.

وأن تباشر الأوراش الكبرى بمعية الفرقاء الاجتماعيين بما في ذلك ورش التغطية الاجتماعية والصحية التي نادى إليها جلالة الملك في خطابه الأخير.

زر الذهاب إلى الأعلى

error: Content is protected !!