الرئيسية

الصحراء المغربية – فلسطين: الخطاب السياسي المخادِع

محمد الصديقي

بدايةً، لستُ، بما سأقول، أبغي الدفاع عن الحكومة وأحزابها، ولا حركة الإصلاح والتوحيد، فأكبر ما أعول عليه، كالعديد من أبناء الشعب، هو ارتفاع منسوب الوعي الوطني لينال أعداء الوطن جزاءهم، وإزاحتهم من مواقع المسؤولية، وبذلك لا تهمني مواقفهم ولا تدبيرهم، بقدر ما يهمني منْ أتقاسم معهم المواقف والمبادئ، وإن اختلفتُ معهم في طرق تصريفها في مستوى إنتاج الخطاب على الخصوص.

حدثا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والتطبيع مع إسرائيل خلقا نقاشا يمتح من بعدين:
وطني مرتبط بفكرة الوحدة الوطنية والحفاظ على ربوع الوطن، علما أن الأمر كان ينبغي أن يشمل أيضا سبة ومليلية السليبتين؛
وقومي روحي يتعلق بما تمثله فلسطين في وجدان العرب والمسلمين، بما هي عنصر محقق لموقف تصفية الاستعمار ومساندة قوى التحرر في العالم.
في السياسة يجوز إعادة ترتيب الأولويات بين الوطني والقومي حسب المصالح والمكاسب اللحظية أو الاستراتيجية بمنطق الربح والخسارة سياسيا واقتصاديا، وبما يضمن الاستقرار الداخلي.
وما يهمني في هذا الموضوع هو بعض الموقف ولا سيما المعارضة منها والتي ظلت تعتبر فلسطين قضية وطنية، ولاتزال تؤمن بها على أنها كذلك. وردة الفعل القوية ضد بيان حركة الإصلاح والتوحيد، التي وصلت حد التخوين والمطالبة بحلها.
بعيدا عن الاصطفاف السياسي والإيديولوجي، يجب أن نسجل أن الدولة والمجتمع معا من حقهما أن يدافعا عن مصالحهما أولا وبكل الأشكال التي تؤدي إلى الحفاظ عن الوطن وحدةً ومصالحَ، كما أنه من حق كل طرف أن يعبر عن رأيه / موقفه بما يتلاءم وأيديولوجيته / مصالحه في إمكان “تجذره” شعبيا، وانسجامه مع أيديولوجيته، وبطبيعة الحال، فالخطاب السياسي المنتَج بموازاة مع الحدثين قابل للتحليل للكشف عن بواطنه ومراميه وخلفياته.
الخطاب السياسي الموازي للحدثين لم يعكس أحيانا الاصطفافات الحقيقية، ولا حتى المواقع التي يحتلها كل طرف: ففي الوقت الذي يعيش فيه حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح ازدواجية مرضية بين الموقف الرسمي للحكومة الداعم للخطوات التي أعلنتها الدولة، والموقف “المبدئي” للإطارين الرافضين للتطبيع مع إسرائيل والداعم لفلسطين حماس على الخصوص، تعيش الأطياف السياسية الأخرى وجها آخر من “الدوخة” السياسية والإيديولوجية المتمزقة بين الصراع الداخلي مع الحكومة وفي جوهرها الحزب الأغلبي، والصراع الخارجي الرافض لإسرائيل وللتطبيع معها. بينما الدولة، ومعها أحزابها التابعة / الإدارية، تبقى منسجمة مع نفسها بما أنها تلعب بالملفين معا (الصحراء وفلسطين) بما يمكنها من تحقيق المكاسب المحلية والدولية، ويحافظ على استمرارها الوجودي والسياسي والأمني.
في الوقت الذي يخرج فيه وزير باسم الحزب الحاكم ليعلن موقف حزبه وحركته المبدئي مع فلسطين، ورفض التطبيع مع العدو الصهيوني، ترفض الأطياف السياسية الأخرى هذا التمييز بين موقف الحزب وموقف الحكومة، وتعتبر أنه تلاعب بالمشاعر الوطنية ولعبة لاستمالة الرأي العام لموقف يظهر أن الحكومة ليست تعبيرا سياسيا للحزب.
الهجوم على الحركة وحزبها والدعوة غلى حلها يكشف عن مدى الصراع والتناقض القائم بين الأطراف السياسية المتفاعلة في المجتمع، وفيه أيضا تحييد للدولة من الصراع، وذلك أن الجزب وحركته يقبلان بموقف الدولة حكوميا ويرفضانه حزبيا، بينما المعارضة تقبل بالموقف من الصحراء، وتنسب التطبيع للحكومة في سياق التقليل من احتمال حفاظ الحزب على شعبيته الانتخابية.
لنتذكر أن المغرب، إبان تحمل الزعيم عبد الرحمان اليوسفي مسؤولية الوزارة الأولى، استقبل شخصيات إسرائيلية، وهذا يعني أن للسياسة منطقها خارج منطق التوازنات البسيطة المعتادة.
على الرغم من انفراد الدولة بالموقف من التطبيع، وتصريفه بشكل مفاجئ هكذا، مما يقر، وبوضوح، بديكتاتوريتها. لكن، لماذا لم يطرح أحد أسئلة من قبيل: لماذا لم تستشر الدولة المجتمع؟ لماذا لم تطرح نقاشا، على الأقل، في مؤسساتها: البرلمان والحكومة….؟
ولنتساءل: أليس الهجوم على حركة الإصلاح والتوحيد وبيانها، شكلا من أشكال تحريض الدولة على الحركة، وتدعيما للدولة وسلطتها على المجتمع عموما؟
فعندما يصل الخطاب إلى محاولة تحريض الملك على الحركة والحزب، فهذا يكشف عجز قوى الممانعة والمثقفين عن مقاومتهما فكريا وواقعيا، ورغبة في استمالة الدولة إلى صف معارض للحكومة، وهو من باب إعلان رغبة التحالف مع الدولة ضد الحزب الأغلبي، فالدولة بتدخلها وانحيازها يكفي المعارضة شر الصراع والمقاومة.
مهاجمة الحزب الحاكم خارج الضوابط السياسية النزيهة يضر بثقة المواطنين في العمل الحزبي والسياسي معا، فلا يمكن مقاومة الفكر المحافظ، بفكر مغلق، ولا مقاومة الديكتاتورية بفكر غير ديمقراطي، لمقاومة المحافظة والديكتاتورية لا ينبغي التحالف مع أحدهما ضد الآخر.
ولنتذكر أن قوى الممانعة جربت التحالف مع الدولة خلال حكومة التناوب فخذلتها، وجربت التحالف مع المحافظة في 20 فبراير فخذلتها، وهما الآن متحالفان ضد القوى الممانعة.
أكبر خطأ في السياسة أن تعود إلى تكرار تحالف خاطئ، من أجل تفكيك تحالف طبيعي.

آسفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!