شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي يطالب بضرورة تأسيس معهد لتكوين الأئمة بأوروبا والدكتور ابراهيم ليتوس يشرح الأبعاد الكبرى للمعهد

فار بريس /ادريس بن براهيم
بعد الأحداث الإجرامية التي تضررت منها دول أوروبية على رأسها المملكة البلجيكية وفرنسا ، هذه الأحداث التي فرضت نقاشا موسعا داخل المؤسسات الأوروبية بضرورة إعادة خارطة الطريق للعمل الإسلامي ولمناهجه المعتمدة بأوروبا ، خاصة مايسمى بالإسلام السياسي الذي لقي انتقادات داخل المجمع الأوروبي ، وإجماعا سياسيا على أنه منهج لايخدم مصلحة أوروبا التي تدعو الى إسلام أوروبي موحد ومناهج تنهج الوسطية والاعتدال والسلم الإجتماعي بين كل أطياف المجتمعات الغربية ، وعن هذا الملف الشائك صرح شارل ميشيل رئيس المجلس الاوروبي الى ضرورة تأسيس معهد أوروبي لتكوين الأئمة استجابة لانتظارات المسلمين بأوروبا ، واعتبار هذا الأمر خروجا من الأزمة وإنهاء المخاوف من تيارات التطرف والكراهية ، تصريح استدعى تحليلا استراتيجيا موضوعيا قدمه الدكتور ابراهيم ليتوس الباحث بمركز بروكسيل ومدير مركز التطرف العنيف والراديكالية ببلجيكا قال فيه :

هل فكرة المعهد الأوروبي هي حقا إستجابة لإنتظارات المسلمين في أوروبا أم أنها مجرد ردود أفعال التي نعهدها من الساسة بين الفينة والأخرى ، ليس إلا؟
فكرة المعهد الأوروبي لتكوين الأئمة من المواضيع التي طرحت ولا تزال تطرح في الساحة الأوروبية بشكل قوي وهي بالفعل من المسارات الهامة وتشكل محورا من المحاور الحيوية لإدراك شامل لما يجري على الساحة الأوروبية اليوم، وهي كذلك من المحددات المهمة ، لو تم فعلا البت فيها سيكون خيارا للسنوات المقبلة و من خلالها سيتم رسم أرضية واضحة المعالم للأجيال القادمة من حيث ترسيخ ثقافة السلام وتكوين الأجيال على العيش المشترك بين المواطنين الأوروبيين ودياناتهم ومعتقداتهم المختلفة. من المعلوم أن التعددية الثقافية والدينية والعرقية هي من أبرز مميزات المجتمع الاؤروبي. لذلك كان الإصرار والتمسك بوصف الهوية الأؤوربية بالثقافة اليونانية الرومانية أو قل اليهودية النصرانية لم يعد اليوم وصفا كافيا ودقيقا. إذ أن المسلمين كمواطنين، وهم بلا شك جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الأوروبي المتين من إحدى مكونات المجتمع الاؤروبي . وبالتالي ، التفريط فيهم هو تفريط في أحد عناصر المشروع التوحيدي والاستقراري الاؤوربي، الذي هو نفسه قائم على التعددية والتنوع والإدماج .
يوجد وفق مركز الإحصاء بيو أكثر من 25 مليون مسلم ومسلمة في اوروبا و أكثر من 12000 مسجدا في ال 27دولة ومعهم بريطانيا .
الملفت للنظر أن الذي طالب بهذا المعهد هو رئيس المجلس الأوروبي ؛ شارل ميشيل و هو نفسه من حزب الليبرالي الذي يؤمن بالفصل بين الدين والدولة ويؤمن بالحريات الأساسية كضمان لدولة الحق والقانون . لاكن طرحه هذا أين يمكن أن يتموقع بين الرؤى والعلاقة بين الدين والدولة ؟ وكيف سيتم التعامل مع فكرة التكوين هذه؟ من طرف القيادات الإسلامية ومؤسساتها ؟ من مرتكزات المنظومة الليبرالية الأوروبية، أن الدين كفضاء خاص وكمفهوم حرية لا يجب ان يتعارض مع الحريات والحقوف الأساسية الأخرى المكفولة بالدساتير والقوانين الأوروبية . نرى أنه لا يزال يدور نقاش حاد بين الأكاديميين في ما يتعلق بالدين والسياسة ولكل وجهة ورؤية خاصة يتشبث بها ويدافع عنها . رغم هذه النقاشات التي تدور لعقود بين الباحثين والتي تتلخص في كون أوروبا نفسها ليس فيها نموذجا واحدا، إنما نماذج متعددة منها ثلاث نماذج كبرى وهي : الجانب اللاءيكي العلماني الفرنسي والنموذج البلجيكي المحايد وهو يسمى بالتعددية الإيجابية والنموذج الانجلوسكاني الممثل في بريطانيا. فهذه التشعبات قد تعرقل أو قد تؤخر إطلاق المشروع وما هي الجهات المخولة والمستقلة لتبني هذا المشروع ؟
في العموم الفكرة صائبة لاكنها تنقصها الآليات والأدوات العملية والتنفيذة لكي تكون حقيقية وقابلة لتنفيذها على أرض الواقع . والنموذج المغربي المعروف بمؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة يعد فعلا تجربة رائدة لاستلهام النقاط القوية فيه وللنظر إلى كيفية ترسيخ الوسطية والاعتدال على مستوى المناهج والخطابات.وهناك أكثر من ألف إمام وفقيه من إفريقيا؟ ، أوروبا وآسيا ودول مختلفة تم تأطيرهم و إعدادهم إعدادا جيدا.
حتى ولو أن الفكرة ، جاءت كردة فعل على الأعمال الإرهابية التي ضربت كل من فرنسا والنرويج في الأسابيع الماضية و التي وقعت كردة فعل على إثارة أزمة الرسوم الكاريكاتورية ولم تأت نتيجة دراسات ميدانية أو رغبة في بلورة رؤية بعيدة المدى .
لاكن، رغم ذلك قد تكون هذه الفكرة خطوة جد مهمة، على الأقل لتجديد الخطاب الديني والعمل على فقه الواقع وقطع الطريق على الفتاوى المستوردة وأقصد هنا الاستيراد الذهني والفقهي وذلك لأن المرجعية باتت اليوم في الفضاء الإلكتروني وليس من المصادر العلمية والمحلية .
يظهر لكل متابع للشأن الديني في أوروبا ان التدين بات يشكل اليوم جدلا واسعا بين السياسيين ورجال الدين. لان تحديد طبيعة التدين المطلوب هو ان يكون متمشيا مع المواطنة والتعددية يسعى إلى الأخوة الإنسانية والعمل سويا للمشاركة الاجتماعية ولاستتباب الأمن والسلام . لا شك ان التفكير في التكوين والتأهيل و إعطاء المكانة اللائقة للإسلام والمسلمين في أوروبا هو الكفيل للحفاظ على الامن الإجتماعي والإستقرار في أوروبا .
عن النهار المغربية