في إنجاز غير مسبوق سيظل خالداً في ذاكرة الكرة المغربية، توج المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة بطلاً للعالم بعد فوزه المستحق على نظيره الأرجنتيني بهدفين دون رد، في نهائي مثير احتضنه ملعب “ناسيونال” بالعاصمة التشيلية سانتياغو، وسط أجواء حماسية وأعلام مغربية زينت المدرجات.
بأداء بطولي وتنظيم تكتيكي عالي، دخل أشبال الأطلس المباراة بثقة وشجاعة، ونجح المهاجم ياسين زابيري في خطف الأضواء بعدما سجل هدفين رائعين في الشوط الأول، مهدياً المغرب أول لقب عالمي في تاريخه الكروي. وتجلت بصمات الإصرار والعزيمة في كل خط من خطوط المنتخب، حيث جسد اللاعبون روح الجماعة والتحدي التي لطالما ميزت الكرة المغربية.
في الشوط الثاني، حاول المنتخب الأرجنتيني العودة في النتيجة وضغط بقوة على الدفاع المغربي، غير أن التماسك والصلابة الدفاعية التي أظهرها الثنائي باعوف وبختي إلى جانب الأداء المميز على الأطراف من زهواني ومعمر حالت دون اختراق الشباك المغربية. وتميز الأداء المغربي بالذكاء التكتيكي، إذ فضّل المدرب الاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة التي قادها زابيري بخطورة، مع انضباط دفاعي مثالي حدّ من فاعلية الخصم.
ورغم محاولات الأرجنتين المتكررة، ظل الحارس المغربي متألقاً في التصدي للكرات الصعبة فيما أضاع حسام الصادق فرصة تعزيز النتيجة في الدقيقة 21 بعد تسديدة ضعيفة. ومع مرور الدقائق، تحوّل الاستحواذ لصالح الأرجنتين، لكن دون فعالية حقيقية أمام صلابة “الأشبال” الذين أداروا المباراة بذكاء حتى صافرة النهاية.
هذا التتويج العالمي التاريخي يعكس ثمرة سياسة التكوين التي تنتهجها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم ويؤكد أن المغرب بات رقماً صعباً في كرة القدم العالمية، بفضل رؤية استراتيجية تجمع بين الاحتراف والانضباط والعمل القاعدي.
وقد عمت الفرحة المدرجات والجالية المغربية في تشيلي التي احتفلت بهذا المجد غير المسبوق، مرددة النشيد الوطني في مشهد مؤثر، بينما تواصلت الاحتفالات في مختلف المدن المغربية، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع رغم حلول منتصف الليل، حاملين الأعلام الوطنية ومرددين الأهازيج احتفاءً بالإنجاز التاريخي الذي رفع اسم المغرب عالياً في سماء الكرة العالمية.
ولا يمكن الحديث عن هذا النجاح دون الإشادة بالدور الكبير الذي لعبه فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الذي أحدث ثورة حقيقية في بنية اللعبة بالمغرب من خلال دعمه المتواصل للفئات السنية، وتطوير البنيات التحتية الرياضية، وإرساء منظومة احترافية شاملة تهتم بالتكوين والتأطير. كما شكل هذا التتويج ثمرة مجهودات الأطر التقنية المغربية، التي أثبتت كفاءتها العالية في التسيير والتدريب، وأظهرت أن الكفاءات الوطنية قادرة على قيادة المنتخبات نحو منصات التتويج العالمية.
وقد برهنت الأطقم الطبية والتقنية والإدارية على جاهزية عالية في إدارة تفاصيل البطولة، ما ساهم في توفير الظروف المثالية للاعبين لتحقيق هذا الإنجاز التاريخي. إن ما تحقق اليوم هو تتويج لمسار طويل من العمل الجاد والتخطيط المحكم، ورسالة واضحة بأن مستقبل الكرة المغربية بين أيادٍ آمنة تؤمن بالكفاءة والانتماء.
بهذا التتويج يفتح أشبال الأطلس صفحة جديدة من المجد في سجل الرياضة الوطنية، مؤكدين أن الحلم المغربي لم يعد مستحيلاً، وأن راية الوطن قادرة على التحليق في أعلى المنصات العالمية.