فار بريس
رسالة مفتوحة إلى : عامل إقليم سطات؛والي جهة الدار البيضاء سطات ؛وزير الداخلية .يتتبع الملاحظ العام و المتخصص في الشأنين القانوني و الحقوقي بشكل خاص أن المغرب قد انطلق منذ سنة 1999 في بناء مسار دولتي جديد ، يقوم على الحق و القانون و كل ما ينضوي تحتهما من مفاهيم جديدة : إدارة القرب،الإدارة المواطنة، تحصين الحقوق و الحريات،التواصل كبديل عن أحادية الاتصال ،مشكلا القطيعة مع مسار سبق و اتسم ببيروقراطية التسيير و الشطط في استعمال السلطة التقديرية للإدارة.و تجلت أولى بوادر هذه القطيعة في خطب أعلى سلطة سياسية بالبلاد، التي تعكس مضامينها الفكر السياسي الملكي كمذهب في الحكم.. و يمكن العودة هنا -مثالا لا حصرا- لما يلي من خطب: – خطاب 12 أكتوبر 1999 بالبيضاء الذي جاء فيه : “إن مسؤولية السلطة في مختلف مجالاتها هي أن تقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون في ضوء الاختيارات التي نسير على هديها من ملكية دستورية و تعددية حزبية و ليبرالية اقتصادية وواجبات اجتماعية بما كرسه الدستور وبلورته الممارسة.ونريد في هذه المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية وتدبير الشأن المحلي والمحافظة على السلم الاجتماعي. وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم و ملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة.”- خطاب 30 يوليوز 2016 الذي جاء فيه : ” والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.” ،”محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة.”- خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية العاشرة الذي جاء فيه الآتي: “إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات ، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيآت المعنية ، وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية، هو جوهر عمل المؤسسات.وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة ، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارة الترابية ، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية.كما أقصد أيضا، مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات ، وحتى قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن ، كيفما كان نوعها.فالغاية منها واحدة ، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه.أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط ، فما جدوى اللامركزية و الجهوية، واللاتمركز الإداري، الذي نعمل على ترسيخه، منذ ثمانينيات القرن الماضي.إن تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير.”،”إن إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكات والعقليات ، وجودة التشريعات ، من أجل مرفق إداري عمومي فعال ، في خدمة المواطن .”و بالعودة للوثيقة الأسمى نجدها قد دسترت الحكامة و جعلت منها أحد أسس النظام الدستوري،بل و دسترت إلزامية امتثال السلطات العمومية للقانون.أما فيما يدنو الدستور من تشريع فنجد القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية قد أطر علاقة المواطن بالإدارة بعشرة مبادئ أساسية أولها : الثقة بين الإدارة و المواطن بالإضافة للحرص على التحسين المستمر لجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين و تقريب الإدارة من المرتفق.. .و ألزم الإدارة بعدم مطالبة المرتفقين إلا بالقرارات الإدارية والوثائق والمستندات التي : تنص عليها النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل؛ وتم جردها وتصنيفها وتوثيقها وتدوينها ونشرها بالبوابة الوطنية للمساطر والإجراءات الإدارية.و لعل آخر خطوات الخروج بالمغرب من مرحلة تنموية فاشلة هي المبادرة الملكية في إنجاح تجربة تنموية جديدة، فنجد في تقرير اللجنة الساهرة على ذلك أنه مما عاق نجاح التجربة السابقة لهو : “محدوديـة قـدرات القطـاع العـام فـي صياغـة وبلـورة خدمـات المجالات الأساسية للحيـاة اليومية للمواطنيـن ورفاهيتهـم.. بل و في كون” القطاع العـام يشـتغل بصفـة علويـة وممركـزة” مقترحة في توصياتها للخروج مما سبق : ” إعادة النظـر فـي التنظيـم الإداري للمجالات الترابيـة وتشـجيع تضافر جهودهـا بهـدف تحسـين جـودة الخدمـات المقدمـة للمواطنيـن” مؤكدا أنه ” علــى الإدارة إيلاء مزيــد مــن الأهمية لجــودة الخدمــات المقدمــة للمواطــن مــن خــلال تســريع مسلسـل تبسـيط المسـاطر الإدارية”.و جدير بلفت الانتباه لكون مسؤولية تنزيل النموذج التنموي قد اعتبرها ملك البلاد في خطاب العرش الثاني و العشرين : “مسؤولية وطنية”.إن متتبع ما أشرنا إليه أعلاه -و ما لم نتطرق إليه لضيق المقام -يجعله يؤمن بمسلسل التغيير ببلادنا،بأن الأمر يتعلق فعلا بقطيعة مع مرحلة سابقة ، إلا أنه نفس المتتبع حين ينتهي من قراءة و تشريح تلكم القوانين المتقدمة، ينتهي من قراءة تلكم الخطب المبشرة و يذهب بكل إيمان لمرفق عمومي لقضاء حاجة عامة و الاستفادة من خدمة عامة يصطدم بواقع إداري يحمل نقيض ما سبق .من أمثلة ذلك توجهي اليوم كمواطنة للملحقة الإدارية الخامسة بعمالة سطات قصد الحصول على “شهادة عدم العمل” للإدلاء بها للكلية التي أتابع فيها دراستي بسلك الدكتوراه من أجل الاستفادة من تجديد منحة الاستحقاق ، أجد المسؤول الترابي هناك –خليفة- يرفض تسليمي تلك الشهادة محتجا بدورية من دوريات وزارة الداخلية التي تمنع تسليم هذه الوثيقة، و حين خاطبته كقانونية بأن هذه الوثيقة ليست ضمن الوثائق المستثناة من قانون تبسيط المساطر أخبرني بأن الأمر يتعلق بدورية مرسلة بمجموعة من مجموعات الواتساب-دون أن يخبرني برقم الدورية-، مضيفا أنه سيتصل بشخص يدعى أيوب – مقدم ربما- كي يتأكد من خلال الحاسوب إن كنت من الطالبات الممنوحات أم لا ، طالبا من الموظفة أن تعد لي شهادة إدارية ألتزم فيها بأنني لا أشتغل بدلا عن الوثيقة المعتمدة قانونا و التي تطلبها وزارة التعليم العالي – شهادة عدم العمل-.لم يكن بعد هذا إلا أن غادرت المكتب دون أن أهمس ببنت شفة، متصلة برئيسه التسلسلي: رئيس الدائرة الحضرية الأولى مشكورا الذي تدخل فور علمه بالنازلة كي أتمكن من حقي. توجهت مجددا من بيتنا إلى مقر الملحقة كي أفاجأ أنه قد وقع الشهادة مع ملحوظة مكتوبة بخط يده –كما هو في الصورة- أن “المعنية لا تمارس أي نشاط مهني بالقطاع العمومي فقط”.عدت البيت ، و كنت أروم التوجه مباشرة إلى الكاتب العام بالعمالة أو الخليفة الأول لعامل العمالة، إلا أنني تواصلت مجددا مع رئيس الدائرة الذي تدخل من جديد كي يصحح الوضع و تسلمت الوثيقة بعد ضياع واستنزاف : الكثير من الوقت الذي كنت في أمس و أشد الحاجة إليه على اعتبار التزامات ترتبط بالوثيقة و بارتباطات خارج المدينة و مواعيد سفر، بعد كدر في النفسية و خلل في الثقة بيني و بين المرفق إذ بتُّ أتساءل هل كلما رمت التوجه لهذا المرفق العمومي يجب أن أتوجه للسلطة الرئاسية التسلسلية؟ هل كلما رمت الحصول على حق من حقوقي أو وثيقة من الوثائق سأضطر للتبرير.. لماذا أريد تلك الوثيقة الإدارية؟ أتفق تماما أنه من واجبه و حقه أن يبحث في ما إن كنت أشتغل أم لا علما أنه قبل تسلم الوثيقة أمضي وثيقة أخرى ألتزم فيها بتحمل التبعات القانونية إن كنت أشتغل و صرحت بنقيض ذلك… لكن ما شأنه في أن يطالبني بسبب طلب الوثيقة؟ أكلما رمت الحصول على شهادة العزوبة أو شهادة السكن أو عدم العمل سأضطر لمشاركته تفاصيل حياتي و دواعي طلب كل شهادة على حدى؟ هل سأضطر لتعميم معطياتي الشخصية مع المقدمين كي يتأكد و يطمئن بال الخليفة؟ ما مبرر و شرعية اجتهاده في كتابة جملة بالقطاع العمومي فقط؟ و إن كان متأكدا أو شاكا في أني أشتغل بالقطاع الخاص، ما الذي دفعه تسليمي الوثيقة؟ هل يعلم أن الأمر يتعلق بشهادة عدم العمل؟ وليس شهادة عدم الوظيفة؟ هل يعلم الفرق اللغوي و الاصطلاحي بين العمل، الشغل و التوظيف؟ هل للسلطات الرئاسية علم بهذه الاجتهادات؟ هل هذه الاجتهادات معي فقط أم مع سائر المواطنين؟ ..كدر و قلق صاحباني هذا الصباح و المعني كاد أن يفوت علي بسلوكه هذا فرصة- و ما تعنيه تبعاتها الحقوقية و القضائية- في الاستفادة من حقي لولا تدخل السلطة الرئاسية التسلسلية.إن هذا السلوك ليس بالشاذ أو الاستثنائي أو العابر أو المعزول في الزمكان، بل قد كان للمعني -الذي لا تربطني به أي علاقة شخصية – نفس السلوك السنة الفارطة حين رمت الاستفادة من نفس الوثيقة و ذَيَّلَها بنفس الملاحظة إلى أن صُحِّح الوضع مجددا، بل و في نفس السنة – الجارية أقصد- حين رمت الحصول على نفس الوثيقة للإدلاء بها لمصلحة إدارية أخرى كي أتمكن من الاستفادة من حق اجتماعي آخر فأخبر أنه آخر مرة سأستفيد من هذه الخدمة العامة لأن الأمر متعلق بالوثائق التي مُنع تسليمها.فلولا تكرار هذا السلوك غير ما مرة لما توجهت بهذه الرسالة.. إذ أن ن تكرار هذه الممارسة مع نفس الشخص-معي-، حينما يتعلق الأمر بنفس الخدمة يجدني أسائل إن كان هذا السلوك الإداري : – يطبق المفهوم الملكي الجديد للسلطة القائم على صيانة الحقوق و أداء الواجبات و رعاية المصالح العمومية و الشؤون المحلية؟-يطبق المفهوم الملكي المتجدد للسلطة القائم على تطبيق القانون و الذي يؤكد على أن عدم القيام بالواجب هو نوع من أنواع الفساد ؟- يعمل بالتوجيهات الملكية القائلة بتمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه، توجيهات تقول بعدم قابلية تلبية الحاجات العامة للمواطنين للتهاون و التأخير؟- يتسم بالحكامة التي دسترها المغرب و تبناها في خطبه الرسمية؟ – دستوريا في علاقته بالفصل 24 من الدستور الذي يقول بالحق في حماية الحياة الخاصة؟ لاسيما حين طلب شخص غريب أن يتصفح معطياتي و بياناتي الشخصية؟- يحترم قانون تبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية و إلزامية التقيد به؟ إلزامية تجد شرعيتها في إلزام الدستور السلطات العمومية بالتقيد بالقانون؟- يشكل مظهرا من مظاهر فشل النموذج التنموي السابق ؟ و إلى أي حد يتواءم و توصيات النموذج التنموي الجديد؟- سيشكل دعامة لإنجاح هذا الأخير، إنجاح اعتبره الملك كما أشرنا مسؤولية وطنية ؟- سيضطرنا كلما رمنا التوجه لهذا المرفق اصطحاب مفوض قضائي للمعاينة و سلك مساطر قضائية للحصول على وثيقة؟ !إن كان الجواب على الأسئلة أعلاه إيجابا فإن الأمر سيكون فعلا داعيا للقلق حول مستقبل المغرب ، ثقة أبنائه بالمؤسسات العمومية.أما و إن كان سلبا، فإني ألتمس من الجهات الوصية التدخل لتصحيح هذا الوضع، لاسيما أن الأمر لا يتعلق بإدارة عادية ..بل يتعلق بإدارة تشكل وجه المرفق العام، تعد مقياس نجاح كل ما سبق لاحتكاك المرتفقين يوميا بها ، لتقديمها خدمات تتعلق بالمعاش اليومي للمواطن، فالإدارة الترابية يفترض فيها أنها المثال لإدارة القرب –ليس بمفهومه المكاني و إنما الخدماتي- لما تقدمه من خدمات، إلا أن سلوكات كهذه المشار إليها أعلاه ستزيد من توسيع الهوة بين المواطن و المرفق العام، بين المواطن و الواقع الاجتماعي، هوة تتمثل أساسا في فقدان الثقة..هوة لا تساهم في مسار البناء الملكي لعهد جديد.غنيم شيماءمواطنة مغربيةحُرر في 17 نونبر 2021