دوليةكتاب الاراء

صعود اليمين المتطرف : الخلفية والتشابه بين التطرف اليميني والتطرف الديني (الإسلامي) في أوروبا

فار بريس


بقلم د. إبراهيم ليتوس باحث أول ورئيس قسم التطرف العنيف بمركز بروكسيل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان

مدخل لابد منه :
تقول جانيت ريتمانوف – JANET REITMANNOV في مقالة مطولة لها في مجلة نيويورك تايمز بتاريخ 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 أنّه “لعقدين من الزمن تجاهلت استراتيجيات مكافحة التطرف المحلية –الأمريكية تنامي خطر “اليمين المتطرف جداً”، وفي أجواء اللامبالاة هذه نمت وانتشرت هذه الحركة المتطرفة، وقد فشلت الأجهزة الأمنية في أمريكا في رؤية الخطر، الذي باتت تشكله “جماعات اليمين المتطرف” أو الجماعات القومية البيضاء، واليوم فإنّها لا تعرف كيف توقف هذا الخطر”.
عن هذا التحول الخطير نسوق للقارئ وللرأي العام العربي والدولي تحليلا أكاديميا واستراتيجيا للدكتور ابراهيم ليتوس يكتب فيه معللا ومستدلا .
مقدمة : كان من أبرز عناوين الأخبار والصحافة  البلجيكية  قبل أيام،  مطاردة العسكري المتطرف،الذي هو  برتبة  عريف والمسمى ب ” يورغن كونينكس ” و يبلغ من العمر 46 عامًا ، وهو معروف بأفكاره المتطرفة و كان من ضمن مدربي القناصين في الجيش البلجيكي.  شارك في أكثرمن إحدى عشرة عملية عسكرية في الخارج   وتم أخيرا إكتشاف أنه كان يدرب الميليشيات المتطرفة من اليمين المتطرف وأن هناك أكثر من عشرين عنصرا في الجيش البلجيكي يحمل نفس الأفكار اليمينية المتطرفة . اختفى العسكري المتطرف،  المدجج بالأسلحة الثقيلة ـ التي سرقها من مستودع الأسلحة ـ و قام بترك رسالتين يهدد فيها  بقتل العالم الفيروسات البارز؛  مارك فان رانست  وكذا إستهدافه لعدد من المساجد ولربما أهداف أخرى محتملة لم يبح بها.


أحد الأسئلة المهمة التي أثيرت في النقاش والرأي العام  البلجيكي، هو كيف يمكن لشخص عسكري متطرف ،  الذي كان لسنوات على قائمة وحدة التنسيق لتقييم التهديد الأمني في بلجيكا ــ وهي قاعدة بيانات  إستحثت منذ الهجمات الإرهابية عام 2016 للمتطرفين الخطرين المحتملين التي تم تجميعها في الأصل لتتبع ما يسمى بالمقاتلين الأجانب الذين سافروا  إلى سوريا  وتشمل اليوم أيضًا المتطرفون اليساريون واليمينيون  ــ   أن يستمر في العمل في الجيش البلجيكي ويتمكن دون أدنى مشكلة  للولوج إلى معلومات حساسة والوصول إلى مستودعات الأسلحة العسكرية؟؟؟
ومما يثير القلق والدهشة أيضًا،  هو الدعم الشعبي الذي يتلقاه هذا العسكري المتطرف على الفيسبوك والذي وصل عدد مسانديه  إلى 45000 عضوا ، حتى إضطرت فيسبوك  إيقاف الصفحة ” كلنا واحد وراء يورخن ”   وتجدر الإشارة  كذلك، إلى أن هذه الصفحة  قد تم  إنشاؤها خصيصًا ، بعد مطاردة العسكري المتطرف والذي وصفه الأمن البلجيكي بالخطير والذي هو حاليا مطلوب للعدالة في بلجيكا وتم إصدار مذكرة إعتقال ضده لدى الإنتربول والأوروبول.   ومما أثارقلقا متزايدا داخل صفوف المسلمين و المجتمع البلجيكي ككل خوفهم من هجوم على غرار هجوم كرايستشيرش  في نيوزيلندي  ، الذي قتل فيه المتطرف النيوزلندي 51 من المسلمين في المساجد عام 2019 ، ولكن أيضًا  تأكيد هذا التحيز والتمييز والكراهية ضد المسلمين في شريحة  كبيرة من المجتمع والمتنامي بشكل مخيف.


إن استمرار صعود اليمين المتطرف ، يكشف لنا إلى أي مدى  وصلت الكراهية وكيف  تزرع  القطبية والشرخ  بين مختلف شرائح  المجتمع و الآثارالتي تتركها هذه الأحداث على نسيج المجتمع  والتي بلا شك،  تهز التماسك الإجتماعي  في البلد و تهدده.
صعود اليمين المتطرف :
يصف كتاب “صعود اليمين المتطرف في أوروبا : التحولات الشعبوية والأخرى” أن صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية واليمينية المتطرفة في الإتحاد الأوروبي،  بدأ ينمو أعقاب الإنتخابات الأوروبية لعام 2014ومنذ ذلك الحين ، أصبح الخلط الإيديولوجي، في التفريق  بين  ممارسة السياسة  الحازمة وبين الكراهية والعنف غير واضحا بل متداخلا  . نلاحظ ذلك و بشكل متزايد ،  في نمو الثقافات الفرعية المتداخلة الأيديولوجية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي وكيف أنها تتسرب  إلى جمهور متعاطف ومتزايد في جميع أنحاء أوروبا وفي بلدان كثيرة ٠  غالبًا ما  يعزى  ذلك،  إلى عودة نظرية المؤامرة ، والركود الإقتصادي وتدفق اللاجئين والمهاجرين ، الهاربين من الحروب ومناطق النزاع، واتهام كل من هوحازما ومن هو ضد الهجرة  أوتنظيمها  بأنه عنصري ٠ لكن عند تعميق البحث والنظر ، سنرى أن هناك جذورا أعمق لتفاقم هذه الظاهرة وبعد محاولة حثيثة من طرف بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة لتطبيع العنصرية والتهوين من الميز والكراهية . علاوة على ذلك ، لا ننسى أن غالبًا ما تكون هذه المجموعات المتطرفة لها تنظيم جيد و تمتلك قدرة  تواصلية أقوى ، وتشترك في التذمر وفي ترسيخ  الإيديولوجيات المتطرفة ، كما نرى اليوم، وهي تتواجد في مواقع حساسة ؛  في الشرطة،  والجيش وفي  التدريب الدفاعي والعسكري. ومع ذلك ، فإن التعامل مع التطرف اليميني يطرح العديد من التحديات القانونية للوقاية ومقاضاته ، نظرا للخط الدقيق بين الشعبوية السياسية وإيديولوجية اليمين المتطرف ، وبين خطاب الكراهية وبين حرية النقد والتعبير ، وبين النشاط مقابل التخريب ، وبين التعاطف مقابل المشاركة ٫ وهذا كله للتمييز بين المسموح به كحق في ممارسة السياسة وبين الكراهية المفضية إلى العنف والتي يجب تجريمها ومحاكمة كل من يؤيدها ويقوم بالتحريض لها .  فالعدد الكبير من المتعاطفين والناشطين مع اليمين المتطرف , يتم استقطابهم  و بشكل متزايد في المجتمع , ولاسيما حينما تناقصت الفرص الاقتصادية  فإن ذلك  يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا عن الحياة والحكومة  وهنا تنشأ حواضن للتطرف ، إلخ …وتجدرالإشارة إلى أمر هام  ، وهو أن أعمال العنف والإرهاب التي يرتكبها المتطرفون غالبا ما تكون غير مشمولة  من حيث أرقام  الإحصائيات ولا تدخل في تصنيفات المجموعات الإرهابية ، لاسيما  في بعض التقارير السنوية مثل تقارير الشرطة الأوروبية  ” الأوروبول  ” التي تتناول الأفعال الإرهابية ،  لأنها تعتبر أن العديد من مرتكبي الجرائم من  المتطرفين اليمينيين يتصرفون كأفراد وليس كمجموعات أو كمنظمات وبالتالى لا يندرجون تحت التصنيف المعمول به كمنظمات إرهابية ، على سبيل المثال ، كان الإرهابي النرويجي ، أندرس بريفيك ، الذي قتل أكثر من 77 شخصًا في عام 2011 ،  لم يتم إدراج عمله الإجرامي والإرهابي كمجموعة إرهابية  باعتباره يمينيًا متطرفًا ولكون عمله  فرديا. نتيجة لكل هذا ، نرى  أن حجم ومستوى خطورة هذه الظاهرة،  أي اليمين المتطرف  ناقصة ولم يفصح عنها في التقارير السنوية ولا تعكس الواقع بشكل دقيق. على الرغم من أن في السنوات الأخيرة ، أخذت شبكة ـ را ن  ـ  وهي شبكة اليقظة حول الراديكالية ،  التابعة للمفوضية الأوروبية وكذلك الحكومة البلجيكية صعود التطرف اليميني على محمل الجد ، ووسعت تعريف ونطاق مناهضة التطرف والإرهاب لتشمل الجناح اليميني والجماعات الأخرى المتشددة ، وكذا مراقبة التهديدات اليمينية المتطرفة وتكثيف الجهود لمكافحتها الخ.المنحدر الزلق نحو التطرف ،إن الطريق نحو التطرف والراديكالية – سواء أكان سياسيًا أم دينيًا – هو منحدر قد ينزلق بصاحبه  إلى الحضيض ،  لأن الأشياء التي  قد تبدأ بملاحظات وتظلمات مشروعة،   سرعان ما تنتهي أو يمكن أن تنقلب و تصبح مصدرًا للتطرف نفسه، لاسيما  عندما لا يتم التعامل معها بشكل صحيح و مناسب. سواء كان هذا التعامل على المستوى النفسي أو الإقتصادي أوالديني، أو الإجتماعي أو السياسي. فقد  يسرع ذلك من  تفاقم المظالم و إلى إلقاء اللوم على المجموعات الهشة في المجتمع،  باعتبارها  فئات على حد زعمهم ، مسؤولة عن مشاكلهم فتحصل  جراء ذلك الأحكام المسبقة ويتم صناعة الصور النمطية عن الآخر .في حالة الجماعات اليمينية المتطرفة ،التي نحن بصدد دراستها،  يتم توجيه اللوم من اليمين المتطرف إلى الجماعات الدينية والأقليات وإلى الحكومات،  نظرا لتخوفهم من هيمنة  الأجانب ومن تقييد للحريات ولأسلوب الحياة ، كما هو الشأن في الإجراءات الصارمة في زمن كورونا للحد من إنتشار الوباء ، وإلقاء اللوم على الأجانب والمهاجرين،  لكون تواجدهم  يقلل من  الإزدهار و من فرص العمل للسكان الأصليين  و يعبرون عن قلقهم من التوسع الحكومي في تدخلها في  حياتهم الخاصة. كل ذلك يتم تبريره  وإلصاق اللوم لاحقًا  على الآخرين من خلال نظرية المؤامرة أو ممارسة العنصرية.  هذه المبررات  يغذي ما في مكنونهم من تصورات مغلوطة و يسقطون في حلقة مفرغة  أو قل في جدلية بإلصاق التهم بالغير ، ويتجلى ذلك، في تجريم وشيطنة الآخر والذي يولد القطبية ( نقصد به التطرف والتطرف المضاد في المجتمع ) والتطرف والكراهية والعنصرية في المجتمع . حينئذ، تحاول كل مجموعة  تقنين تلك الإتهامات  من خلال إيديولوجيتهم ويتم تقوية المجموعة الأكثر تطرفًا والتي بدورها ستنشر الأفكار الأكثر داعمة لنظريات المؤامرة  فتزداد الظاهرة إنتشارا وإنتعاشا .ويزيد من تعقيد  هذا المنحدر الزلق للتطرف،  تأثيره  على إحداث القطبية والإنقسام  في المجتمع.  فالجدلية المتبادلة  بين أي شكل من أشكال التطرف ، وعلى وجه الخصوص بين التطرف اليميني واليساري وبين التطرف اليميني والإسلامي يسببان  باستمرار في أشكال جديدة من التطرف ويعززانه ، والذي ينتج عنه  نوع من الدور والتسلسل ، مما يؤدي إلى شرخ أعمق وإلى اندلاع محتمل لأشكال مختلفة من العنف داخل  المجتمع الواحد .تأثرت أيديولوجية اليمين المتطرف ، وخاصة تلك التي تسمى بالقومية البيضاء ، إلى حد كبير بكتاب ويليام لوثر بيس ، الذي كان بعنوان “مذكرات تيرنر” ، والذي وصفه مركز قانون الفقر الجنوبي بأنه “إنجيل لليمين العنصري”. يصور الكتاب ثورة عنيفة في الولايات المتحدة ستؤدي في النهاية إلى الإبادة الممنهجة لغير البيض والسياسيين. على الرغم من أنها خيالية ، فقد ألهمت العديد من جرائم الكراهية وأعمال الإرهاب ، أضف إليهم كذلك  المتطرف اليميني ؛ اليكساندر دوجين  وهو من المستشارين  للرئيس الروسي بوتين  وكتابه ”  أركان الجيوسياسة  ” الذي أصبح منذ صدوره عام 1997 من  المقررات الإجبارية لكل الضباط المتخرجين من الكليات العسكرية في روسيا ، وهو كتاب  ضد الليبرالية وضد النظام العالمي الجديد ويدعو إلى عنصرية ماقتة و إلى التمسك بهوية جماعية وثقافة واحدة لا متعددة و هي في جوهرها أفكار مبنية ومستوحاة من تعاليم الكنيسة الأرتودوكسية .
يتبع في حلقة قادمة ….

ن. ه. ن. ي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى