الرئيسيةفن وثقافة

الرايس سعيد أشتوك: أيقونة الموسيقى والشعر الأمازيغي

 

بقلم : بندهيبة سعيد

في قلب جبال الأطلس الكبير ووسط وديان سوس المفعمة بالحياة، وُلد الرايس سعيد أشتوك، واسمه الحقيقي سعيد بيزران، ليصبح أحد أعمدة الموسيقى والشعر الأمازيغي، تاركًا إرثًا فنيًا وثقافيًا لا يُنسى. وُلد أشتوك حوالي عام 1925 في قرية بيزوران التابعة لقبائل شتوكة، والتي اتخذ منها اسمه الفني الذي لا يزال يتردد على ألسنة عشاق الفن الأمازيغي حتى اليوم.

منذ نعومة أظافره، أظهر أشتوك شغفًا كبيرًا بالشعر والغناء، حيث بدأ بتلحين الأبيات الشعرية وأدائها في سن مبكرة. كانت أولى خطواته في عالم الفن ضمن إطار فن “أجماك”، أحد فروع أحواش، وهو ما أتاح له تطوير مهاراته وصقل مواهبه. لكن أشتوك لم يتوقف عند ذلك، بل انتقل إلى ساحة الروايس، حيث أسس فرقته الموسيقية الخاصة التي ضمت في بداياتها مجموعة من الروايس المبتدئين، والذين أصبحوا فيما بعد من كبار الفنانين في مجالهم، من بينهم الرايسة فاطمة تباعمرانت والرايسة رقية الدمسيرية.

لقد كان أشتوك واحدًا من الفنانين المجددين في تقديم المضمون الشعري ضمن فن “تارايست”، إذ استطاع أن يترك بصمته على جيله من كبار الفنانين مثل أهروش، الدمسيري، وبيهتي. بفضل مهاراته الشعرية والموسيقية، فرض أشتوك مكانته في مدرسة الحاج بلعيد، حيث واصل خطه الفني من خلال تلاميذه الذين نشأوا في فرقته وتعلموا منه فنون الأداء الشعري والموسيقي.

رغم عدم تلقيه تعليمًا مدرسيًا عميقًا، إلا أن الرايس سعيد أشتوك كان يمتلك ثقافة شعبية غنية، مستمدة من تجاربه الحياتية واحتكاكه بكبار الشعراء والفنانين في المنطقة. كانت له دراية واسعة بعادات سوس وتقاليدها، كما كان متمكنًا من اللغة الأمازيغية السوسية، والتي أبدع في استخدامها في قصائده المشهورة. وإلى جانب ذلك، تأثر أشتوك بالثقافة الدينية والنزعة الصوفية، وهو ما يتجلى بوضوح في مقدمات قصائده التي تفيض بالتأمل الروحي والوجداني.

اجتماعيًا، لم يكن الرايس سعيد أشتوك مجرد فنان فحسب، بل كان عضوًا نشطًا في جماعة بلفاع، حيث نال احترام السكان المحليين الذين وشحوه بوسام تمثيلهم نتيجة لخدماته الجليلة التي قدمها للمنطقة. إلى جانب اهتماماته الفنية، كان أشتوك شغوفًا بالرياضة، خاصة كرة القدم، حيث دعم الأندية المحلية في بيوكرى، أيت ملول، إنزكان، وبنسركاو، سواء من الناحية المادية أو المعنوية.

في عام 1989، غادر الرايس سعيد أشتوك عالمنا في مدينة الرباط، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا خالدًا، يتجسد في مقاطعه الشعرية والموسيقية التي لا تزال تحظى بإقبال واسع من عشاق الفن الأمازيغي. لقد كان أشتوك أيقونة من أيقونات الموسيقى والشعر في سوس، ورمزًا للفن الأمازيغي الأصيل الذي يعكس الروح والهوية الثقافية للمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!