كتاب الاراء

تكلفة الفساد على التنمية الإنسانية ومستقبل الوطن.

بقلم / محمد القاضي

عندما نفتح باب التاريخ لإلقاء نظرة تأملية وتمحيصية لمختلف حقبه الزمنية، نخرج بخلاصة علمية ثابتة أن الفساد وتغوله في شرايين الحياة العامة كان سببا رئيسيا في إنتاج المآسي والفظاعات والجرائم ضد الإنسانية وزعزة المجتمعات وسقوطها وانهيارها.

وبالرغم من أن القوانين يتم وضعها وإنتاجها على المقاس والأمزجة؛ فإن أول من يدوسون عليها بحذائهم هم صنّاعها الذين قاموا بإنتاجها ؛ وهم من لا يحترمونها.

فالمسؤول الذي عيّن نفسه أو تم تعيينه على رأس قطاع معين من أجل تدبير مصالح المواطنين والحرص على خدمتهم والتفاعل والتجاوب مع انتظاراتهم وتطلعاتهم في إطار ما تسمح به اختصاصاته ويسمح به القانون، فإنه يستغل هذا الموقع لتدمير مصالح الناس والعبث بها ومصادرة حقوقهم وسرقة أحلامهم وتعطيل عجلة تقدمهم ونهضة مجتمعهم، فإنه بهذا السلوك يساهم في إنتاج جيل من الحاقدين وجيل من القنابل الموقوتة وجيل من الخلايا النائمة الناقمة على كل شيء لأن الإحساس بتعرضهم للظلم بمعية آبائهم، ثابت في دمائهم، وإنتاج جيل من النخب الفاسدة والمتعفنة؛ ما يؤدي إلى جرجرة المجتمع الإنساني إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف .

وهذا بدوره تترتب عنه تداعيات فتاكة للمجتمع ولحركته الابداعية والتقدمية والنهضوية، حيث يتحول المجتمع إلى حاضنة لبؤر الجريمة والانحلال والتفسخ وإفراغ أهله من الإحساس بالانتماء الوطني، وبروز العديد من الأوبئة الاجتماعية تحت مسميات مختلفة حاطة ومهينة لكرامة الإنسان التي كرمها الله.
قد نجد مسؤولا نقابيا-مثلا- عوض أن يدافع عن حقوق الطبقة الشغيلة والمساهمة في تحصين مكتسباتهم وتحفيزهم على الإنتاج والابداع والتدافع الإيجابي والجد والعمل لصالح الإدارة أو المنشأة التي يشتغلون بها لأجل تنمية مواردها المالية على أمل مكافأتهم بزيادات في رواتبهم وتعويضات تحفيزية، فإننا نجد العديد منهم لا يزالون يتعاملون بمنطق أبو لهب ومنطق الغدر والخيانة، حيث أول خطوة يقدم عليها بعضهم هي محاصرة كل الكفاءات وتجريدهم من المسؤوليات وتغيير مواقعهم على أساس أمزجته المتعفنة بديدان الفساد والإفساد ونصب الفخخ لهم بهدف تشريدهم أو ابتزازهم… وهو ما يؤدي إلى قتل ملكة الابتكار والابداع وحرمان المنشآت الاقتصادية والخدماتية والإدارية من كفاءتهم العلمية وخبراتهم ومن ثمة حرمانها من التطور والتقدم والازدهار، ويكفي أن نستحضر في هذا السياق مصير المؤسسات التي تمت خوصصتها بعد أن أهلكها نقابيون وأفلسوها وشردوا شغيلتها وسلموا هذه المؤسسات على طبق من ذهب إلى مستثمرين أجانب لاستنزاف جيوب المغاربة وتهريب الارباح بالعملات الصعبة إلى بلدانهم، كما أن هذه المؤسسات بعد أن تولى زمام أمرها المستثمر الأجنبي، فإنها قد تتحول أيضا إلى مراكز للاستخبارات التابعة لدولة هذا المستثمر.

هذه السلوكات الشاذة والمرضية تساهم ليس فقط في تغذية الشعور والاحساس بالحكرة وزعزة ثقة المواطن في إدارات ومؤسسات وطنه، وتسويد نظرتهم إزاء وطنهم، بل تساهم أيضا في تدمير مستقبل الوطن برمته وحرمانه من فرص التنمية وحرمانه من طاقات أبنائه الذين يفضل العديد منهم تحت ضغط الحݣرة والظلم الارتماء في أحضان الاستخبارات الأجنبية والشبكات المافيوزية والارهابية والاتجار في المخدرات والممنوعات لقتل الشباب بسمومها وما يترتب عنها من تداعيات أكثر كارثية…. وهذا يؤدي في المحصلة إلى الاسهام في انتفاخ بالونة السخط والاحتقان والفظاعات الاجتماعية الناعمة والتي قد تنفجر في أي لحظة…

لذلك علينا جميعا أن نساهم في تكريس قيم وثقافة حقوق الإنسان والمساهمة في تعزيز وتوطيد احترامها بالتوعية والتحسيس والمساءلة وملاحقة المفسدين وفضحهم أينما حلوا وارتحلوا بهدف كنسهم من مواقعهم وعدم تزكية الفاسدين والمفسدين عبر صناديق الاقتراع والتضامن المجتمعي بين أفراد المجتمع في التصدي لجميع أشكال الفساد والتعفن بجميع أشكاله وتجلياته….

معا نستطيع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى